الفوضى بقرار
مرت المسيرات التي عمت جميع محافظات المملكة أمس بسلام، دون احتكاك مباشر بين رجال الأمن والمشاركين، إلا بعض الاستثناءات القليلة.
تنفس الأردنيون الصعداء بعد انقضاء "جمعة الغضب"، خصوصا أن أيامهم السابقة شهدت قلقا غير متناه نتيجة حالة الفوضى والأجواء المشحونة التي سادت خلال الـ72 ساعة الماضية التي تلت قرار الحكومة برفع الأسعار.
تعامل الأمن مع المسيرات أمس كان مختلفا؛ إذ لم يجر فض مسيرات بالقوة، وضبط الأمن أسلوب تعامله لحين انتهاء معظم المسيرات، ما يعني أن الفوضى تكون بقرار والسلم كذلك، وليست المسألة خارجة عن السيطرة كما يحاول البعض تصويرها.
والأطراف المعنية بتجنب الفوضى هي الأجهزة الأمنية من جهة، والمشاركون في المسيرات من جهة أخرى، إضافة الى من يطلقون على أنفسهم اسم الموالاة.
الفوضى لا تصب في صالح أحد، سواء الدولة أم المعارضة. واستقرار الأردن وأمنه كانا على المحك خلال اليومين الماضيين، لدرجة أن انتشرت بين المواطنين، بشكل كبير، أدعية بسلامة الوطن، تناقلها كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الخلوية، الأمر الذي يؤكد أن السيناريوهات التي كانت في بال الجميع، سواء قالوها أم لا، خطيرة ومرعبة.
الحزن خيم على البلاد في الأيام الماضية، وكشف حجم الخلل الحاصل، والشعور بعدم الطمأنينة الذي ولدته الأجواء المشحونة في البلد.
مر يوم الجمعة بسلام، لكن السؤال يتعلق باليوم التالي، وهل بقاء الناس في الشارع هو الحل، وما السبيل إلى الخروج من المأزق، وهل تكفي العودة عن قرار رفع الأسعار، كما يطالب البعض، بإصلاح التشظي الذي حصل في اليومين الماضيين؟
قد تتمكن الدولة بمختلف أجهزتها من إعادة الناس إلى بيوتهم، ولربما تعود المسيرات إلى وتيرتها الهادئة ما قبل رفع الأسعار.
لكن ذلك سيراكم الشعور بعدم الرضا والتهميش والغضب، خصوصا أن التأثيرات الحقيقية لرفع الأسعار لم تأت بعد، وتقديرات معدلات التضخم التي تتحدث عنها الحكومة، تبدو متواضعة أمام ما سيواجهه المواطن من ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع والخدمات.
وثمة شعارات رُفعت خرقت كل السقوف؛ الرافضون لها كثر، وهي لا تمثل تطلعات الأردنيين الذين تُجمع غالبيتهم على رفع شعار إصلاح النظام ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ويؤمنون أنهم يستحقون، كشعب متعلم ومثقف، ديمقراطية حقيقية، تقوم على نهج إصلاحي يعبر بالبلاد من الحالة الضبابية إلى أخرى أكثر وضوحا.
بالأمس، تناقلت وسائل الإعلام أخبارا كثيرة عن الشعارات التي رُفعت خلال المسيرات، وظهرنا للعالم وكأننا بلد على وشك السقوط.
والضرر المعنوي الذي وقع على البلد وصورته من مسيرات الأيام الماضية كبير. ذلك هو ما يحتاج إلى رؤية مختلفة، تُصلح العطب الذي وقع.الانطباعات التي خرجت للعالم خطيرة، وإن كانت غير حقيقية.
وتغيير الصورة في الخارج بحاجة إلى وصفة مختلفة، تعيد رسم الصورة في الأذهان.
يحتار البعض اليوم في البحث عن مخرج آمن، ويجدون في المسألة صعوبة كبيرة، ويؤشرون لانعدام للخيارات أمام الدولة، وذلك مجزوء وغير دقيق.
البحث عن حل أمر مهم بعد كل ما وصلنا اليه، والحل بالضرورة ليس أمنيا، بل سياسي؛ وهو وإن كان صعبا إلا أنه غير مستحيل.
ليست التهدئة بمرور الوقت، بل بمراجعة لكل ما تم خلال العامين الماضيين، لنسد الباب على كل من يسعى إلى التدخل في شؤوننا وإصلاحنا، وبيان الخارجية الأميركية دليل على ذلك.
يزعج الأردنيين ثلاث قضايا؛ قانون الانتخاب، والفساد، وتوزيع مكتسبات التنمية، وفق هذه المعايير الثلاثة نستطيع ايجاد الحل الأمثل.
الغد