الفاسدون إذ يحتمون بأسماء كبيرة
إحالات الفساد خلال الأسابيع الأخيرة خففت اللوم كثيراً عن الدولة، لأن الذين كانوا يدّعون أنهم يحتمون بعناوين كبيرة، سقطت رواياتهم، فلا حماية ولا مايحزنون، وتم فتح ملفاتهم، وهذا جيد وإن كان غير كاف حتى الآن.
تلك احدى فضائل الحراكات في الشارع التي ضغطت من اجل محاربة الفساد، ولو تنبهت الدولة منذ زمن بعيد الى قصة الفساد، لما تأثرت علاقة الدولة بالناس، ولما سادت الشكوك، ولما ابتلع الحيتان دم الناس وتعبهم.
أكبرعقدة في علاقة الدولة بالناس، هي عقدة الفساد، بخاصة مع الانطباعات التي ولّدها الفاسدون بأن لهم شركاء وحمايات وحصانات، وانهم خطوط حمراء لا يمكن الاقتراب منها بأي شكل، وقد ثبت جزئيا انهم مع الفساد يكذبون بتبرير قوتهم المستجدة.
وصلنا الى مرحلة بتنا فيها أمام أحد خيارين، إما التضحية بهذه الأسماء، وإما التضحية بالبلد والاستقرار والدولة، والتضحية بالفاسدين مهما كان مكلفا إلا أنه يبقى أقل كلفة من التضحية بذات الدولة والبلد.
إذا تأملنا عشرات الأسماء التي يدور حولها لغط في الشارع الأردني، فإننا نواجه حقيقة خطيرة تقول إن هؤلاء هم الذين نهشوا بنيان الدولة، ولابد هنا من اكمال المشوار، دون أي تحفظات، وحسم كل الملفات المؤجلة، حتى لا نبقى ندور حول أنفسنا في قصة الفساد لمائة عام مقبلة، تشوه سمعة البلد باعتباره مرتعاً للفاسدين.
هذا يعني ان نتجاوز معيار الانتقائية، أو المعيارالذي يقول إن التضحية بفاسدين ليس لهم وزن اجتماعي، او حمايات اجتماعية، اهون من الاقتراب ممن لهم حمايات اجتماعية.
لا يعقل أن نتصرف هكذا، لأننا ليل نهار نطالب بمحاربة الفساد، وحين يتم ذكر اسم فاسد من عائلتي -على سبيل المثال- انقلب واصطف مع من يمت بصلة القربى لي، وكأننا نتحدث عن فساد مبني للمجهول، وفساد من عائلة فلان وفلان، وحين يصل الفساد الى عائلتي تصبح القصة ظلما او تطاولا، وللأسف علينا أن نثبت لحظتها الولاء للفاسد، لا للدين الذي ُيحرم الفساد، ثم للبلد التي ندين لها بالكثير.
اليوم يصوّت الناس، وفي ظلال المشهد انخفاض في الغضب الاجتماعي جراء ملفات الفساد، لأن ملفات كثيرة تحركت، وهذه أرضية ايجابية في يوم الانتخابات، تقول أنه لا حصانة لأحد، واليوم حساس وفاصل، ولا بد فيه أيضا ان نتصرف دون ازدواجية، فلا يصوّت احد لمن اشترى الذمم، ولمن مارس الفساد الانتخابي، بل على العكس، عليكم ان تعاقبوا من استرخصكم بعدم التصويت له.
حساسية اليوم، وكونه فاصلا، تأخذنا الى الفترة المقبلة، اذ لا بد من نزع كل الألغام في البلد، عبر قرار سياسي يقول ان بقية ملفات الفساد العالقة او المؤجلة او التي لها حساسيات معينة، لا بد من فتحها وتخليصنا من كل هذا الضجيج، ومن أجل طي الملف كلياً.
أغلب الظن أن بعض الفاسدين يستفيدون من حمايتهم الاجتماعية، لا من الحمايات السياسية، وهذا يقول ان علينا ان نثبت اننا لا نثور إذا حوسبت أسماء كبيرة خلال الفترة المقبلة، لأننا في تلك اللحظة سنقدم الدليل على اننا نقول شيئا ونفعل شيئا آخر.
بعض الفاسدين يستفيد من حمايته الاجتماعية، لا من الحماية الرسمية، حتى لا نبقى نضحك على بعضنا البعض.
الدستور