الغريب في كلام الرئيس

الغريب في كلام الرئيس

بدا حديث رئيس الوزراء د. عبدالله النسور للأعيان، أول من أمس، غريبا بعض الشيء، وينطوي على قدر من المبالغة في الثقة. للتذكير، وسائل الإعلام نقلت عن النسور قوله "إن الأردن لا يواجه أي أخطار تهدد أمنه، رغم ما تشهده حدوده مع العراق وسورية من أحداث". وزاد بالقول: "لا خوف على الأردن من تداعيات الأحداث في المنطقة. ولكن هذا لا يعني أن نجلس ونستريح، بل علينا، حكومة وأجهزة، أن نقوم بدورنا واستعداداتنا على أتم وجه".

يشاطر كثيرون رئيس الوزراء ضروة البقاء في حالة استعداد وتأهب لمواجهة التطورات المحتملة. ومؤسسات الدولة العسكرية والأمنية تظهر بهذه الروحية، وهو ما يجعل الرأي العام مطمئنا لدرجة معينة.

لكن يتعين علينا الاعتراف أيضا أن الأردن، وبخلاف قول الرئيس، يواجه أخطارا جدية تهدد أمنه. وهنا ينبغي النظر إلى الصورة بشكل شمولي، وليس من الناحية الأمنية المباشرة، حتى لا نسقط في فخ الإنكار.

عندما تكون جزءا من إقليم تتعرض دول الجوار فيه لخطر التقسيم والتفكيك، وتجتاحه الجماعات المتطرفة، فأنت حتما تواجه الخطر. وحين يكون بين ظهرانيك مئات الشبان الذين يتسابقون للالتحاق بدوامة التطرف والموت، فعليك أن تسأل نفسك عن المستقبل.

وعندما تكون حدودك مفتوحة للاجئين ويدخل أراضيك يوميا ما لا يقل عن 500 لاجئ، ويقترب عددهم من مليون ونصف المليون في بلد لم يعد قادرا على توفير المياه لمواطنيه، فأنت أمام تحد غير مسبوق يهدد بمخاطر شتى.

يتعين على الساسة والمخططين أن يتجاوزوا في مثل هذه الظروف التفاصيل اليومية، وأن يطرحوا الأسئلة الاستراتيجية: ما هي خياراتنا في حال نجحت "دولة الخلافة" في تثبيت أقدامها في الجوار السني العراقي؟ ما موقفنا من عراق يمضي إلى التقسيم؟ ولا ننسى سورية بالطبع؛ فهي الأخرى ماضية إلى صراع مفتوح يهدد بالمزيد من موجات النزوح، فيما تلتهم "داعش" المزيد من الأراضي والموارد. ماذا عن خسائرنا الاقتصادية جراء هذه الصراعات؛ أليست خطرا يهدد صناعتنا وتجارتنا وزراعتنا؟ ما هو مستقبل خطوط التجارة والنقل في المنطقة؟ راجعوا دفتر الحسابات، ستجدون فيه أرقام الخسائر، ولا تنسوا السياحة أيضا.

المسألة، كما قلنا، تتجاوز الحسابات الأمنية والعسكرية. بوسعنا أن نحمي حدودنا، وأن نتعقب الجماعات المتطرفة؛ هذا صحيح. لكن مصادر التهديد تتعدى ذلك البعد إلى ما هو أخطر أحيانا.

هذه ليست دعوة للتطيّر والفزع، لكن من غير المنطقي تجاهل التحديات والتهوين من مخاطرها بدعوى تطمين الناس. من الضروري أن يشعر المواطن الأردني بحجم التحديات القائمة، وأن يعرف مصادر التهديد والخطر، القريب منها والبعيد، ليكون على استعداد لتقبل نتائجها وآثارها السلبية.

لقد راكم الأردن خبرة واسعة في التعامل والتعايش مع الصراعات من حوله، لا بل إن تاريخه كله كان على الدوام صراعا من أجل البقاء، وتحقق له ذلك. بيد أن الأمر لا يتعلق دائما بإرادتنا وحدنا؛ فمن كان يتوقع أن تكون سورية في مثل هذا الوضع؟ ومن خطر بباله أن نشهد ولادة دولة كردية قبل الدولة الفلسطينية؟

فيما كان رئيس الوزراء يعرض لأعيان الأمة الأوضاع على الجبهتين العراقية والسورية، كانت جبهة ثالثة تنفتح، بعد أن قررت إسرائيل شن عدوان واسع على غزة، ستكون له تداعيات كبيرة على الوضع الفلسطيني العام. وآخر الجبهات الهادئة من حولنا تكاد تنفجر أيضا.

الغد

أضف تعليقك