العناد ليست دائماً سياسة ناجعة

الرابط المختصر

هناك، في العمل السياسي والوطني، قضايا وأمور يعتبرها بعضهم ثوابت تتطلب مواقف صلبة غير قابلة للتفاوض. والعناد السياسي الثوري في هذه الحالات يكون مقبولاً، بل مرغوباً، وغالباً يوفر نتائج إيجابية، فمثلاً موقف القيادة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، في تعاملها مع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، وحاشيته، كان مشرّفاً، فقد أدّت المقاطعة الفلسطينية الكاملة لأيّ تعامل مع إدارته، بعد تنفيذها قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وإعلانها عمّا سماها أبو مازن "صفعة القرن"، أدّت إلى نتائج مهمة على الصعيد الوطني. كما نجحت سياسة الرئيس عباس، في ما يتعلق برفض الانقسام وعدم التعامل مع حركة حماس في مرحلة ما، في الوصول إلى الوقت الذي قبلت فيه قيادة "حماس" بضرورة العودة إلى الشعب وإنهاء التفرّد السياسي.

لكنّ سياسة المقاطعة والعناد والانتقام ليست سياسة ناجعة دائماً، خصوصاً عندما يكون الطرف الآخر فلسطينياً، فمرحلة العودة إلى الشعب الفلسطيني، من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية واستكمال للمجلس الوطني، تتطلب التشاركية وسعة الصدر، وتقبّل كلّ الآراء والتحرّكات، بما في ذلك ممن قد يكونون غير مرغوبين، أو قاموا بأعمال أو قرارات غير مقبولة. وقد اتخذ الرئيس عباس وحركة فتح قراراً حاسماً باستبعاد ناصر القدوة أخيراً، بسبب مخالفته، بحسب قيادة "فتح" قرارات الحركة، وهذا أمر خاص بها. لكنّ ما حدث بعد ذلك من قرارات، لأسباب سياسية أو فصائلية ضيقة، يضرّ بالشعب الفلسطيني، ذلك يجب ألا يكون مقبولاً.

كان الراحل ياسر عرفات زعيم "فتح"، لكنّه كان أيضاً زعيماً منتخباً للشعب الفلسطيني. وبذلك، هل من المقبول توقيف الدعم المالي لمؤسسةٍ تحمل اسمه وتخلّد ذكراه؟ هل من المقبول أن يتخذ الرئيس أبو مازن نفسه قراراً مخالفاً للنظام الداخلي لمؤسّسة ياسر عرفات، بعزل رئيس مجلس إدارتها، ناصر القدوة، من دون العودة إلى الأطر المؤسّسة وأهمها مجلس الأمناء؟ صحيح أنّ محمود عباس رئيس فخري للمؤسسة، لكنّه ليس رئيساً فعلياً، بحسب الأنظمة التي تلحّ، في كل أدبياتها، على أنّها مؤسّسة مستقلة. يقول موقعها إنّ "مؤسّسة ياسر عرفات مؤسّسة مستقلة... تأسّست لغاية المحافظة على تراث الرئيس الراحل، وتخليد ذكراه لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والصديقة، تتمتع بالاستقلالية القانونية والمالية والإدارية، ويقود عملها هيئاتها القيادية". وتفيد المادة 18 من نظام المؤسّسة الداخلي أنّ زوال عضوية مجلس الإدارة تتم فقط على خلفية "صدور حكمٍ بحق العضو بأيّة جناية أو جنحة مخلّة بالشرف أو الآداب العامة". ويتم العزل بحسب اللوائح الداخلية فقط، من خلال "صدور قرار بزوال العضوية من مجلس الإدارة، بأغلبية أعضائه، على أن يعرض ذلك على مجلس الأمناء".

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، فإنّ رئيس دولة فلسطين محمود عباس "أصدر قراراً بإقالة الدكتور ناصر القدوة من رئاسة مجلس إدارة مؤسّسة ياسر عرفات وعضوية مجلس أمنائها. وكلف سيادته، عضو مجلس إدارة المؤسسة المستشار علي مهنا، قائماً بأعمال رئيس مجلس الإدارة لمدة ثلاثة شهور". هل يعقل أن يخالف الرئيس عباس، المكلف بالدفاع عن القانون والنظام العام، مخالفة واضحة لمؤسسة وطنية، فقط بسبب اختلاف فصائلي مع شخصٍ ما في قيادتها؟

لقد أصاب الرئيس عباس في عناده، عندما أصرّ على الثوابت الفلسطينية في تعامله مع الولايات المتحدة، ومع قادة الانقسام في غزة، لكنّه أخطأ في نقل عناده وروح الانتقام في الشأن الداخلي الفصائلي. والمأمول أن تجري الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية الفلسطينيتان في موعديهما، ويعود للشعب الفلسطيني حقه في اختيار ممثليه، ومن يديرون شؤون الوطن. ومن المفيد أنّ الانتخابات، التي ستتم على أساس التمثيل النسبي على مستوى الوطن، ستفرض على الجميع ضرورة التحالفات، وستنتج عنها حكومة ائتلافية تدير الوطن على أساس المشاركة في القرارات، وليس التفرّد بها.

عن العربي الجديد