العلاج في قانون انتخاب عصري
مهما قيل عن الحكومات والبرلمان والواقع الوطني إلا أن الوصف لا يخرج عن الصعوبة، كلما تقدمنا في الزمن يتراجع الأدء ويصبح الناس يتذكرون الماضي باعتبار أنه كان أفضل، القيادات في الدولة والمجالس والإدارات العامة وكافة المؤسسات يراها الناس أنها اليوم أقل هيبة مما اعتادوه في السابق.
والواقع أن الزمن الماضي أيضا لو اتيح لنا أن نرى كل شيء فيه، لما وصفناه بأنه كان الأفضل على الدوام، لكن الفارق اليوم أن كل شيء مسطح، الجمهور يرى كل شيء ولا مجال لاخفاء أي أمر، وبذلك تصبح سير القيادات والرموز مفتوحة للمطالعة، ليست كما كان الناس يراها في السابق. إذ كانت السير والمناصب العليا تحاط بهالة تحجب النقد وتقدم الشخصيات في إطار من التبجيل والاحترام بما يعزز الحضور في أذهان الناس.
زمان اغلب الذين جربوا في المواقع العامة في الدولة كانوا من الذين ينتمون لطيف أو فكر سياسي معين، أو ممن يكونون من انتاج المؤسسة البيروقراطية، وهؤلاء ظهروا بانهم الأقدر على ممارسة العمل العام، وهو على عكس ما يحدث اليوم، ففي زمن سابق وقبل عقود كانت نخب الدولة تنتج من مؤسسات الجيش والجمعية العلمية الملكية والبنك المركزي والجامعة الأردنية، ومؤسسة القضاء ومرافق العمل العام، واحيانا يسهم الانتماء لحزب محترم سواء اكان قوميا أو اسلاميا في تقديم الاشخاص، آنذاك كانت القيادات من نواب ووجهاء ووزراء ومدراء عامين يتم انتاجهم في ذلك المطبخ الوطني الكبير، والناس لا زالت تذكر النماذج والسير الوطنية بكل احترام وتقدير.
اليوم بات الواقع مختلفاً، الثراء المفاجئ وتبني بعض رجال الأعمال لبعض الاشخاص، والرغبة بالحصول على النفوذ عن طريق التمثيل في البرلمان لحماية المال والثروة، بات هو المنتج للنواب وبعض المناصب العامة، يكفي المرء لنيلها فقط حملة علاقات عامة واخبار ترويجية مدفوعة مسبقا وتشييد صيوان بمناسبات مختلفة أو امتلاك فضائية بطابق او بهو بناية أو الدعوة لعدة ولائم لكي يتقدم المرء في مجتمعه، ومن ثم الوصول لمواقع عامة عليا أو التمثيل بالبرلمان.
انتاج القيادت اليوم اختل، وفي ظل غياب انتماء الصفوة في المجتمع لتجربة سياسية أو فكرية، وفي ظل قانون انتخاب يكرس الجهويات، سيظل المنتج ضعيفا، وستظل النخب الجيدة نادرة الاكتشاف أو الوصول للبرلمان، ولعل ما يحصل في البرلمان اليوم يتكرر في مرافق الدولة الأخرى، هناك تراجع خطير في مستوى خبرات وتجارب القيادات والمواقع العليا بالدولة، وهناك اختلال في معايير التمثيل للناس، وهناك نسيج وطني لا يتحرك نحو الاختيار الأفضل إلا بعد الاهتزاز بشدة.
اليوم باتت الظروف ملحة اكثر من أي وقت ليحصل الاردنيون على قانون انتخاب عصري، يساهم في انتاج نواب على أساس حزبي، وعلى ان يكون شرط الانتماء للحزب في مدة اقلها خمس سنوات، أما إذا بقيت الامور على حالها فستتكرر الأخطاء بما يسيء للبلد.
الدستور