العقبة وايلات من كاتيوشا الى غراد

العقبة وايلات من كاتيوشا الى غراد
الرابط المختصر

منطقة الغموض التي لا زالت تحيط بمصدر ووجهة صاروخي غراد اللذين 'فرقعا' صباح الخميس في مدينة العقبة الاردنية تكمن الكثير من التفاصيل والاسرار.

وفي عمق نفس المنطقة يمكن ملاحقة التنامي الواضح والمبرمج لحالة التجاذب والتخاصم السياسية التي فرضت نفسها على العلاقة الاردنية الاسرائيلية.

عملية غراد كما سماها الاعلام المحلي وبعيدا عن تفاصيلها الامنية والعسكرية تعني سلسلة حقائق ووقائع اهمها على الاطلاق ان 'ايلات' متاحة للكثيرين في صحراء سيناء والنقب وغيرها اذا ما ارادت تل ابيب مواصلة لعبة الاستخفاف بعملية السلام.

قيمة العملية الاساسية تنحصر سياسيا في قولها الضمني بأن جنوح الاسرائيلي كثيرا بعيدا عن السلام يعني خلق الفرصة والذريعة امام المتشددين في المنطقة لايذاء ايلات وغيرها سواء اكان هؤلاء المتشددون على شكل جبهات جهادية تؤمن بزوال اسرائيل او جماعات ارهابية تؤمن بالفوضى او كانوا مرتبطين بقوى اقليمية اساسية مرة تهدد تل ابيب بسحقها وضربها عسكريا ومرة تلوح باعادتها للعصر الحجري.

الاهم سياسيا ايضا ان عملية العقبة تقول ببساطة ما سبق ان حذرت منه القيادة الاردنية عشرات المرات للاسرائيليين '.. لن تنعموا بالامن اذا لم تحل القضية واذا لم يعش الفلسطيني بامان'.

اذن وفي دائرة الاستخلاص السياسي لحادثة ظهور صواريخ غراد في العقبة بعد التاكد من انها لم تنطلق من الاراضي الاردنية وبنسبة 100 بالمائة كما قال رئيس الوزراء سمير الرفاعي لا بد من ان يفهم الاسرائيلي بأن لعبة التآمر على الاردن والضغط عليه واضعافه واحراجه خطيرة ولا تؤذي الاردني فقط بل سترتد على الاسرائيلي ايضا.

لذلك يعتقد المراقبون ان الحكومة الاردنية تعاملت بحنكة مع فرقعة غراد في العقبة، فاطلاق الصواريخ بصرف النظر عن الجهة قرينة على ان اسرائيل تعبث بكل شيء، والتجييش السياسي لحادث امني محدود من هذا الطراز يمكن تلمسه من الطريقة الاحترافية التي تعاملت بها السلطات الاردنية مع ما حصل بكل توازن وبدون مبالغة او تهويش ابتداء من جمع شظايا الصاروخين من البحر والمنطقة الصناعية في العقبة وانتهاء بابلاغ الرسالة في مضمونها العميق لماكينة الجنون والغرور الاسرائيلي التي يقودها نتنياهو وليبرمان.

وعليه تعامل الاردنيون بثقة مع حادثة العقبة باعتبارها ليست اكثر من مجرد 'فرقعة' صاروخية هذه المرة فصبيحة الاطلاق الذي وقع لم تتعطل الحياة في العقبة واكمل الملك زيارته لشرم الشيخ واستمر التناول على ميناء المدينة وسهر الاردنيون حتى الصباح التالي على شاطئهم اليتيم بعد ان كانت نسبة اشغال الفنادق 100 بالمائة فيما تولى خبراء الامن والجيش التدقيق والتحقيق.

هنا يقول سياسي اردني كبير: في الماضي كان حادث اقل حدة يتطلب اغلاقات واجراءات وحالة فزع وفي دول مجاورة من بينها اسرائيل نفسها تتوقف الحياة اذا ما انطلقت قذيفة مجهولة لكن في حالتنا نرسل اليوم رسالة ثقة بمؤسساتنا فقد اعتدنا على التفاصيل واسرائيل تعرف ان مصلحتها تقتضي ايقاف عبثها معنا.

هذا حصريا ما يشعر به الاردنيون الآن على مستوى النخبة وهم يوجهون رسائل لاسرائيل التي تتآمر فعلا على المصالح الحيوية الاردنية فوزير الداخلية نايف القاضي صرخ الاسبوع الماضي وسط حشد من الناس وعلنا ردا على الترانسفير قائلا: يا محلى الاستشهاد على ارض الاردن في عبارة لم ترد سابقا على لسان اي مسؤول اردني في بلد اتهم دوما بالغرق في وهم السلام، وحتى في مؤسسات مرجعية بدأت تتردد عبارة 'العدو اسرائيل'.

ولذلك تعامل الاردنيون حتى رسميا مع فرقعة صواريخ غراد في العقبة على ايقاع قناعاتهم بأن اسرائيل تخطط لايذاء مملكتهم التي دفعت ثمنا كبيرا جراء ايمانها بعملية السلام لدرجة ان الاعلام الرسمي غير المعتاد على عبارات التصدي للاسرائيليين 'فلتر' عبارة ملكية في احدى المقابلات اشارت الى ان 'اوضاعنا قبل اتفافية وادي عربة افضل من بعدها'.

على هذا الاساس تطرح في عمان تساؤلات من طراز: ما دامت صواريخ غراد الاخيرة لم تنطلق من الاراضي الاردنية ويؤكد المصريون انها لم تنطلق من اراضيهم فمن اين انطلقت؟.. السؤال الاهم الذي يختبر نظرية تسربت للاعلاميين لماذا لا تكون هذه الصواريخ محصلة لاحتمالين الاول انطلاقها من اسرائيل وقصدا لاخافة عمان وخلط الاوراق والاعتداء على العقبة لاهداف سياسية.

والثاني انطلاقها من صحراء النقب المحكومة بالمحتل الاسرائيلي مما يعني ان الاسرائيليين لا يستطيعون حماية انفسهم خصوصا اذا ما تراخت قبضة الامن حولهم؟

الرسالة هنا ايضا واضحة ومباشرة بأن العملية الغامضة التي شهدتها مدينة العقبة سابقا تمثلت باطلاق صواريخ كاتيوشا باتجاه ايلات.. اليوم تطورت الكاتيوشا واصبحت غراد فالسؤال اذاً: لمصلحة من يحصل ذلك؟ ولماذا تخطط اسرائيل لاضعاف الجبهة الاردنية والتآمر عليها بالترانسفير وغيره ما دامت على مدار عقود الجبهة الاكثر امنا؟

مسؤول اردني مهم قال لـ'القدس العربي': لم نعد نفهم الاسرائيليين.. يريدون ضرب ايران واعادة سورية للعصر الحجري وقصف لبنان وبنفس التوقيت يضعفون معسكر السلام العربي ويتآمرون على محمود عباس ويصلون للختام بتهديد الاردن بالترحيل الجماعي وتغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالقدس والمسجد الاقصى.

نفس المسؤول يسأل: هل يفترضون انهم يستطيعون تغيير كل قواعد اللعبة في المنطقة ثم سنقف متفرجين؟ ويضيف: ما تقوله فرقعة غراد الاخيرة في العقبة واضح وهو لا يوجد مصلحة لاسرائيل باضعاف عمان او العقبة سياسيا او امنيا او داخليا او حتى اقتصاديا والتآمر عليها لان ايلات بكل بساطة قريبة جدا ومتاحة وستنعكس عليها النتائج فمن غير المعقول ان ينام الاسرائيلي غارقا في الامن وتسهر جميع شعوب المنطقة غارقة في الالم والعذاب.

من هذه المنطلقات يمكن التعامل ومن باب التحليل السياسي مع بعض الحلقات الغامضة في عملية غراد الاخيرة في تفاصيل وحيثيات معقدة تؤكد فلسفة الاردني بأن عقلية 'القلعة' لن تجلب الامن للاسرائيلي.

القدس العربي