العقبة:الجريمة والعقاب
لكأننا شاهدنا هذا "الفيلم الدامي" أكثر من مرة: صواريخ يتيمة الأب والأم ، تنطلق من مكان غير معلوم ، وتنفجر في إيلات والعقبة ، هذه المرة يقع ضحايا أردنيون...إسرائيل تقول أن الصواريخ انطلقت من سيناء...الأردن ينفي أن تكون الصواريخ انطلقت من أراضيه ، ومصر تفعل شيئاً مماثلاً.
في مثل هذه الأيام ، قبل خمس سنوات ، أطلقت مجموعة إرهابية صواريخ مهربة من العراق على ميناءي العقبة وإيلات ، يومها أعلن الأردن أن الصواريخ انطلقت من أراضيه ، فهذه حكاية لا يمكن إخفاؤها ، وأي مبتدئ في "علم الصواريخ" يستطيع أن يرصد المكان الذي انطلقت منه والزاوية التي هبطت بها على أهدافها ، لم يجد الأردن حاجة للإنكار والتنكر ، كل دول العالم مهيأة لشيء مماثل ، أنت تستطيع أن تبذل 100 بالمائة من الجهد ، ولكنك لن تضمن الحصول على 100 بالمائة من النتائج ، هذه قاعدة عامة.
اليوم ، كما في نيسان ـ أبريل الماضي ، نواجه وضعاً شبيهاً...الإخوة في مصر ينفون أن تكون الصواريخ قد انطلقت من سيناء ، وإسرائيل تنفي بالطبع ، فمن أين تأتي الصواريخ إذن ، ولماذا الإصرار على إنكار ما لا يمكن إخفاؤه ، وهل يقتصر الإنكار على "وسائل الإعلام" فيما الاجتماعات الأمنية المغلقة تشهد "اعترافات" و"حوارات" مغايرة ، كل شيء جائز ، طالما أن المطلوب حفظ ماء الوجه ، لا البحث في جذر المشكلة .
وجذر المشكلة من وجهة نظرنا يكمن في حاجة هذا "الكوريدور الأمني الرخو" إلى مزيد من الإجراءات الأمنية ، وربما بما يتخطى "قيود كامب ديفيد واشتراطاتها" ، فصحراء سيناء ، وبالأخص بعد تسلل القاعدة إليها ، وفي ظل تأزم العلاقات بين بدوها والحكومة المركزية ، تحتاج إلى نشر قوات أمنية ، تتخطى بكل تأكيد ، ما سمحت به المعاهدة وملاحقها ، والأرجح أن "خطر الإرهاب" لم يكن يخطر ببال "المتعاقدين الساميين" في حينها ، وإلا لما كبّلوا سلطات القاهرة بقيود العدد والعديد والسلاح والتسلح.
هذه المنطقة الرخوة أمنيا ، يزيد في جاذبية استهدافها ، أنها شريان حياة للدول المشاطئة للبحر الأحمر ، وجميعها تتصدر لائحة أعداء القاعدة ، من إسرائيل التي يرغب "الجهاد العالمي" في الاقتراب من الصراع معها بعد أن اتهم بأنه يخوض معاركه في كل مكان وضد كل صنوف الأعداء ، ما عدا "الأرض المقدسة وما حولها" وضد إسرائيل...إلى مصر حيث لم تلق القاعدة بأصولها وتفريعاتها ، السلاح بعد ، في حربها ضد نظامها منذ الرصاصة الأولى التي أودت بحياة الرئيس الراحل أنور السادات ، ومرورا بالأردن حيث الحرب على الإرهاب ، تتوالى فصولا منذ سنوات طوال ، وهي تشبه الكر والفر وإن كانت الغلبة فيها للأجهزة الأمنية الأردنية اليقظة.
ويزيد الطابع السياحي لهذه المنطقة من "رخاوتها" الأمنية ، فالسياحة والإجراءات الأمنية المشددة ضدان لا يلتقيان ، والمنطقة كما هو معلوم سياحية بامتياز ، بل أنها عصب السياحة في الدول ذات الصلة ، وهذا أمر يشكل بحد ذاته ، نقطة إغراء وجذب للعقول الإرهابية السوداء والشريرة ، التي تسعى في تمكين رجالها من النفاذ عبر نفق التسهيلات السياحية ، ليضربوا حيثما ضربوا ، فالمنطقة برمتها تصلح لأن تكون صيداً ثميناً.
لا نريد أن ننجر وراء تحليلات وفرضيات تدرج العملية الإرهابية ضد العقبة ، في سياق سياسي له علاقات بمحادثات التقريب أو المفاوضات المباشرة ، بزيارة نتنياهو أو اجتماع الوزراء العرب في القاهرة مؤخراً...العملية مندرجة في سياق آخر مختلف تماما ، سياق اقتراب القاعدة المنهجي المنظم من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي ، وهذه استراتيجية جديدة للقاعدة لا يزيد عمرها عن الثلاث سنوات ، وسياق الحرب الأردنية على القاعدة ، حيث برهن الأردن أن له ذراعا قوية وطويلة في هذا المضمار مما أزعج القاعدة ودفعها للرد ثأثراً وانتقاماً ، والمعركة مستمرة والحرب على الإرهاب سجال.
جريمة العقبة التي يراد بها ضرب الأردن في أمنه واستقرار وسياحته واقتصاده ، جريمة بكل المقاييس ، لا مبرر لها ولا مسوّغ ، تستحق العقاب الصارم لكل من أسهم في مقارفتها تخطيطا وتنفيذا ، وأحسب أن لحظة الحساب مع هؤلاء لن تكون بعيدة ، والمؤكد أن هذه الجريمة ستمضي كزوبعة في فنجان ، فأمن الأردن وثقة أهله بأجهزتهم ، أقوى من فرقعة هذه "الألعاب النارية" ، بدائية الصنع.