العطب في المنظومة الأخلاقية

العطب في المنظومة الأخلاقية
الرابط المختصر

كتبت الشهر الماضي عن عملية التدمير الممنهجة للقِيَم الإنسانية الطبيعية لشعوب هذه المنطقة والخلل الذي أصاب ضميرها الجمعي بسبب انتشار السرطان الوهابي في مدارسنا وبيوتنا ومساجدنا منذ بداية سبعينيات القرن الماضي...

 

 

فلنأخذ مثالاً آخراً على انهيار المنظومة الأخلاقية لمجتمعاتنا، وهي طريقة قيادة المركبات في الشوارع العامة...

 

 

في العالم اليوم، لا شك بأن أكبر مكان يختلط به أفراد الشعب مع بعضهم ويتفاعلون من خلاله ويلتحمون بكافة فئاتهم ويضطرون إلى الاحتكاك المباشر فيما بينهم هو أثناء قيادة السيارات...

 

 

فالشارع في عصرنا اليوم أصبح بمثابة ذلك السوق الضخم المترامي الأطراف الذي يجمع الناس ويجبرهم على التعامل مع الآخرين، وبالتالي أضحت طريقة القيادة هي المرآة الحقيقية التي تعكس أخلاق أي مجتمع وتظهر مدى تقدم حضارته أو انحدارها...

وعلى الرغم من أه

 

مية هذا الفضاء الشاسع الذي ننتقل عبره وبواسطته من مكان إلى آخر، هل سمعتم يوماً خطيب جمعة يتحدث عن أهمية التحلي بأخلاق قيادة المركبات وعن ضرورة الالتزام بالنظام والقانون والأدب في الشارع؟

 

هل سمعتم خطبة جمعة تدعو إلى تسوية صفوف وطوابير السيارات على الإشارات الضوئية والدواوير كما تدعو قبل كل صلاة إلى تسوية صفوف المصلين، وتقول لهم "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"؟

 

هل سمعتم درساً دينياً يحرّم سرقة دور الغير عن طريق تجاوز السيارات المصطفة على الدور كما يفعل كثير من عديمي الأخلاق من أفراد هذا الشعب كل يوم عند كل إشارة ضوئية؟

 

وما الفرق بين أن يسرق أحدهم محفظتي ونقودي وبين أن يغتصب مكاني في الطابور ويسرق وقتي الذي أمضيته بانتظار دوري؟

 

هل سمعتم إمام جامع يوبخ المصلين لإغلاقهم الشوارع خارج المسجد أثناء الصلاة وتعطيل حياة المواطنين، سواء في صلوات التراويح أو الجمعة أو غيرها؟

 

هل سمعتم شيخاً وهابياً يدعو إلى احترام راحة السكان والأطفال والمرضى والمسنين عن طريق تخفيض مكبرات الصوت التي تصدح في أحيائنا وتعكر سكينتنا كل يوم؟

 

 

هذا هو العطب في المنظومة الأخلاقية الذي أتحدث عنه، عندما تشوّهت مفاهيمنا عن الخير والشر، وانقلبت موازيننا في تعريف الحق والباطل...

 

فاليوم أغلبية الناس قد تغضب وينخدش حياءها الرقيق لو رأت امرأة تلبس لباساً غير محتشماً في الشارع، ولكنها لا يهتز لها جفن ولا تعير أي اهتمام لو رأت بعينها شخصاً يفرغ كامل حمولته من القمامة والقذارة من شباك السيارة وعلى الملأ...

 

هذا هو ذات العطب في الضمير الجمعي الذي يجعل الناس تقيم الدنيا ولا تقعدها بسبب مهرجان جرش أو الفحيص أو أي تجمّع يرون فيه "اختلاطاً" بين الذكر والأنثى من مخلوقات الله، ولا تحرك ساكناً عندما تقوم فاردة عرس بإعدام طفل بريء أمام عائلته، بل وأمام دوريات النجدة والدرك أيضاً!!

 

المرض قد استفحل أيها السادة وأصاب النخاع، والمريض الآن يحتضر، ولا نملك إلا أن نصرخ بأعلى صوتنا بينما تغرق السفينة..