الضياع يبدأ بالاغتراب عن البيئة...

الضياع يبدأ بالاغتراب عن البيئة...

يطلق البعض مقولة ... «المناسب في المكان والزمان»... هذه المقولة تقدم فرصة للفهم والكثير من الحلول لمعضلاتنا اقتصاديا واجتماعيا، فالأردن كان من الدول المصدرة للقمح قبل 80 عاما، واليوم الانتاج السنوي يغطي الاستهلاك اقل من عشرة ايام، وهذا الانخفاض له جملة من الاسباب منها زحف الكونكريت على الاراضي الخصبة، وانخفاض المعدل السنوي للامطار، وتحّول الانماط الزراعية، وعدم ملائمة القمح المستورد لغايات الزراعة للتربة المحلية بعد ان توجهنا لاستيراد بذور (قمح للزراعة) من دول يتراوح معدل المطر السنوي لديها يتراوح ما بين ( 600 الى 1000 ) ملم وهو يفوق المعدل في المملكة بخمسة الى سبعة اضعاف، عندها اصبحت البذور غير منتجة ولا تتفاعل مع البيئة الزراعية.

وحتى لا نغرق في ملف الزراعة الذي يحتاج مقالات كثيرة، خاصة أن السياسات الزراعية همشت القمح بخاصة في منطقة حوض الديسي الذي كان مقررا له ان يغطي نسبة مهمة من الاستهلاك بزراعة اكثر من 100 الف دونم للقمح التي تحولت مع الايام لزراعة الخضار والفواكه والبرسيم احيانا، وان هذه السياسة مستمرة متناسية أن زراعة القمح توفر الاستقرار للأمن الغذائي، ويفيد تربية الثروة الحيوانية من اللحوم ومنتجات الالبان.

إن أخطر ما نواجهه هذه الأيام هو الاغتراب عن البيئة والمجتمع، فالإصلاح الشامل يجب ان ينطلق من البيئة والمجتمع الاردني من تعاليم الاديان السماوية، واللغة ومجموعة الاعراف والتقاليد، لذلك نجد من يطالب بديمقراطية وتعددية وحرية على الطريقة الأوروبية والامريكية، وينسى أصحاب هذه المطالب أن بناء الديمقراطية يحتاج الى مشوار طويل من العمل والمثابرة، دون التنكر الى منظومة التقاليد والأعراف التي ُجبل عليها الاردنيون، عندها نستطيع بثقة القول اننا نسير في الاتجاه المناسب.

الاهتمام بمورثنا وتقاليدنا لا يعني الانغلاق عن الأمم والشعوب وتجاربها، أو إقصاء العلوم والتكنولوجيا، إذ أن من واجبنا الانفتاح على العالم وأن نأخذ ما يناسبنا ونوطنه، وما لا يناسبنا نضعه جانبا.

وفي هذا السياق وفي مفاوضات طويلة بين واشنطن وطوكيو منتصف ثمانينيات القرن الماضي حاول واشنطن ادخال الأرز الامريكي للاسواق اليابانية، وبعد حوار طويل تحت التهديد والعقوبات سمحت طوكيو بإدخال الأرز الامريكي معفى من الرسوم الجمركية، وقدم المُصِّدر الامريكي اسعارا مخفَّضة مقارنة مع اسعار الارز الياباني.

النتيجة كانت ان الشعب الياباني لم يلتفت الى الارز الامريكي رغم جودته واعتدال اسعار، واستمر بالاعتماد على الارز المحلي وتجاهل الامريكي، وهذا هو الانتماء للوطن واحترام مقدَّراته، اما الموروث الياباني فما زال معتمدا في اطار الاسرة والمدرسة ومجتمع الاعمال، خلافا للسائد في الغرب المنفتح والمنفلت احيانا، وفي نفس الوقت حرص اليابانيون على الريادة وتجويد العمل، وما زالت اليابان ضمن قائمة الدول الصناعية الكبرى...نحن بحاجة للالتزام بالبيئة الاردنية باعتبار الانسان هو نتاجها... والاغتراب عنها بداية الضياع الحقيقي.

الدستور

أضف تعليقك