الشفافية بالأعمال وليس بالأقوال
يحتفل العالم سنويا في أوائل شهر اذار بأسبوع الشفافية العالمي والأردن كما باقي الدول احتفلت بهذه المناسبة بمؤتمرات وندوات وحوارات حول أفضل الطرق لتنفيذ مبدا الشفافية. وبرز هذا العام الدور الهام الذي تلعبه وزارة التخطيط والتعاون الدولي في دفع عجلة الشفافية من خلال إطلاق المشروع الرابع للحكومات الشفافة والذي تم بالتعاون والتنسيق الجاد مع مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالديمقراطية وحقوق الانسان. وتتركز المحاور التي أعلن عنها العديد من اساسيات الشفافية ومنها العمل المجتمعي وحرية التعبير وتفعيل الانفتاح الحكومي على المواطنين الامر الذي سيقلل من ضرر الاشاعات والتي تترعرع على غياب المعلومة الصادقة والشفافة. لقد تابعت موضوع الحكومات الشفافة open government partnership منذ انطلاقه في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والتي كانت الأردن من أوائل الدول المنضمة لهذه الشراكة العالمية. الا انه وللحقيقة لم تكن للأردن فعالية او جديه كافية في السنوات الأولى لانطلاق المشروع حيث كانت مشاركة الأردن أقرب للعلاقات العامة من التطبيق الحقيقي للشفافية. الا انه في السنوات الأخيرة جرى تفعيل حقيقي لهذه الشراكة ابتداء من توفير مقعد دائم للمجتمع المدني للمشاركة في كافة النقاشات والمجريات الخاصة باستراتيجية الأردن نحو الشفافية ومرورا في مشاركة المجتمع المدني والحكومة في مؤتمر جورجيا العالمي للشفافية عام 2018 وانتهاء في المشاركة الفعالة في كافة اللجان والنقاشات التي أدت الى خروج الخطة الرابعة للمشروع والتي كان للوزيرة ماري قعوار بصمات واضحة كما وكان لمشاركة مندوبه عن المجتمع المدني بصفه متعاقد خارجي الدور الهام في ترجمة الاقوال الى أفعال. طبعا من الخطاء ان نرتاح ونعتبر اننا وصلنا الهدف في تطبيق الشفافية. فنظرة سريعة للأشهر الماضية توضح اننا في اول الطريق وعلينا العمل الجاد لتحقيق الأهداف المرجوة. ولابد في هذا المجال التركيز على العديد من الأمور الضرورية لكي يقتنع المواطن بان لدينا حكومات شفافة. فمن الضروري الخروج بقانون حق للوصول للمعلومات عصري وفعال. وكانت حكومة الدكتور عمر الرزاز قد اصابت بسحبها مسودة التعديلات المطروحة على البرلمان منذ سنين والعمل الجاد مع كافة الأطراف للخروج بقانون يفي رغبات المواطن ويوفر الحد الأدنى من المعلومات. والمعروف ان مبدا الحكومات الشفافة غير مرتبط بقيام المواطنين او الإعلاميين بالطلب للمعلومات بل الفكرة تتمحور على مبدا التدفق الطوعي من قبل الحكومة للمعلومة بعض النظر إذا قام طرف ما بالطلب بالحصول عليها ام لا. كما ومن الضروري ان تعي الحكومة ان زمن سجن الإعلاميين والمفكرين على خلفية ما يتم نشره قد انتهى. فموضوع سجن الناشط ضد المفاعل النووية باسل برقان على خلفية ما نشر من أبحاث امر غير مقبول مهما كان. فالحكومة الشفافة ترد على المعلومة بالمعلومة وليس بالاعتقال او السجن. ومن الضروري أيضا تفعيل وتطوير التشريعات الإعلامية الخاصة بدعم الاعلام المجتمعي. فرغم تعديل عام 2015 للسماح للحكومات بإعفاء الإذاعات التي لا تبث إعلانات تجارية من الرسوم العالية الا ان القانون لم يترجم لنظام او تعليمات ولم يستفيد منه أي جهة غير حكومة الامر الذي أفقد التعديل من هدفه الأصلي. وفي مجال الشفافية من الضروري ان يتم الإعلان للجميع الجهات الحكومية وشبه الحكومية (مثل الجامعات الرسمية وغيرها) من وزراء وامناء عاميين وناطقين رسميين ضرورة التعاون الجدي والصادق مع كافة طلبات الإعلاميين لمعرفة ما يجري في الأمور ذات حساسية واهتمام عالي للراي العام ومنها على سبيل المثال لا الحصر نشر اتفاقيات الغاز الموقعة من قبل شركة الكهرباء الوطنية مع شركة نوبل الامريكية-الإسرائيلية وغيرها من الاتفاقيات والتعاقدات التي تهم المواطن الأردني. ان الشفافية الحكومية تطبيق عملي وليس فكرة نظرية. فمن الضروري تفعيل الشفافية على كافة المستويات الامر الذي سيوفر للحكومات نسبة اعلى بكثير من ثقة المواطنين في عملها ويقرب المواطن للحكومة. فالحكومات هي عبارة عن قطاع عام يعمل لصالح المواطن وهو امر ينساه المسؤول في خضم التركيز غير المبرر على السيطرة على المعلومة بدل من المشاركة والتدفق الحر والشفاف لها.