الشد العكسي والعقل العرفي
لم يتأخر الرد بل جاء مدويا وسريعا على تصريحات رئيس الحكومة معروف البخيت المتعلقة بموقف الحكومة من احترام حق المواطنين في التعبير عن الرأي والاحتجاج السلمي الذي يكفله الدستور. حيث كشف الضرب والاعتداء الذي تعرض له الصحافيون أن الحكومة لا تفي بوعودها.
رئيس الوزراء في آخر حديث متلفز، عبر عن موقفه الرافض لكل من يحاول تخريب الأمن والسلم الاجتماعي والأمن الاقتصادي للأردن، لكنه لم يكشف لنا أن من يؤدي هذه المهمة باحتراف هم من اعتدوا على الصحافيين بشكل غير مبرر.
حان الوقت لنقول لكل المسؤولين الذين طالما زايدوا على الإعلام واتهموه بالإساءة لصورة البلد، بأنهم هم من يضر بسمعة الأردن الاستثمارية، ويظهر البلد على شاشات القنوات الفضائية كبلد غير مستقر وطارد للسياحة، فهم من افتعلوا الحدث وضربوا العشرات من زملائنا.
وليس خفيا أن ما يدفعهم لمثل هذا المسلك هو رفضهم للمطالبة بالإصلاح التي ستضر بمكتسبات حققوها على مدى عقود طويلة من غياب الأدوات الديمقراطية والمدنية.
الاعتداء على الزملاء مرفوض، إلا إن ما حدث معهم وما تعرضوا له من عنف يأخذنا إلى فكرة أعمق، تؤكد هواجس البعض في عدم جدية الأجهزة الرسمية بالإصلاح. وما ضرب الصحافيين إلا طريقة للتعبير عن ذلك الموقف المعادي لكل ما يطالب به المعتصمون من تسريع وتيرة الإصلاح ورفض حالة التسويف والمماطلة الرسمية للدعوات الاصلاحية.
وما جاء به رجال الأمن من مسلكيات خالفت اتفاق "الجنتلمان" الذي عقده الامن مع الصحافيين، دليل على العقلية التي تحكم إدارة المسائل عندنا والتي تدفع لمنع السير قدما في عملية الإصلاح.
الاعتداء على المعتصمين والصحافيين تأكيد لإصرار الحكومة على عدم التعلم من أخطائها في الماضي، وتحديدا ما حدث في 24 آذار، وهو يؤكد أنها للأسف جزء من منظومة الشد العكسي التي ترفض التغيير، الأمر الذي يوصل إلى طريق واحد ومطلب لا رجعة عنه هو رحيل الحكومة وكل المسؤولين الذين فشلوا حتى اللحظة بإقناعنا بجديتهم بالإصلاح.
منظر العنف والضرب محزن ومؤلم، لكنه يعرّي النوايا الرسمية وينسف كل التصريحات حيال جعل الأردن نموذجا في المنطقة من خلال الطريق الثالث الذي اتخذه بجعل الإصلاح تعبيرا عن رغبة ذاتية بالاستجابة لـ"تسونامي" الربيع العربي الذي لن يترك أحدا إلا ويطاوله.
نجحت الحكومة واجهزتها بدفع المعتصمين لإنهاء اعتصامهم الذي لم يتجاوز ساعات محدودة حقنا للدماء، لكن فض الاعتصام لا يعني توقف سيل المطالبات الداعية للإصلاح، فهذا الباب فتح ولن يغلق إلا بإصلاح حقيقي يعيد هيكلة أدوات إدارة الدولة ويزيل تشوهات خطيرة لحقت بالحياة العامة لدينا.
الحكومة بوصفها صاحبة الولاية العامة مسؤولة عن حماية الإعلاميين والصحافيين والمعتصمين، وهي بذلك مسؤولة عن كل ما جرى، والاعتذار وزيارة المصابين لن يجدي نفعا في مسح تبعات ما حدث من الذاكرة.
الغد