السحر في ضوء القمر
ماذا سيدرس الطلبة المقبولون في برنامج ماجستير الإرشاد والصحة الروحانية التي استحدثته جامعة آل البيت في قسم الإمامة والوعظ والإرشاد التابع لكلية الشريعة؟ وهل سيتمكن حملة التخصص الجديد من وقْف فساد التعليم المتسبب بتسريب أسئلة الامتحان التحصيلي؟ وكيف سيقيّم الواعظ/ المرشد الروحاني المناهج الدراسية المعدلة حديثاً، والتي لا تزال تطعن موادها بغير المسلمين من أبناء الوطن.
ازدواجية مفضوحة أن تسوّق الدولة الأردنية محاربتها للتطرف في المناهج الدراسية، وسعيها إلى تأهيل المعلمين وأئمة وزارة الأوقاف ووعاظها، وتجديدها الخطاب الديني، الذي تواصل الاستثمار فيه بوصفه إحدى آليات ضبط مواطنيها والسيطرة عليهم، مطمئنة أن تصريحاتها للخارج تنال رضا الحلفاء والأصدقاء في المحافل الدولية، بينما لا ضغوط شعبية حقيقية تجبرها على المضي نحو الإصلاح!
هناك إصرار متعمد لدى جميع الأطراف من مسؤولين وسياسيين وهيئات أهلية على استنساخ العقل الأمني في محاربته الإرهاب، عبر تحويل هذه الحرب إلى مواجهة سياسية لفظية تتهم فكراً أو تياراً بعينه، ومن أجل أن يسود الاقتناع بهذه الخلاصة يغيب العقل النقدي الذي نحتاجه لتغيير مجتمع عاجز وجاهل ومكبوت، ونصبح مجرد متفرجين مهمتنا التصفيق والتطبيل لـ"معجزات أمنية".
بات لزاماً التأكيد بأن معركة التنوير هي مع السلطة؛ كل سلطة تحاول احتكار الحقيقة وتفسيرها بما يناسب مصالحها الآنية والعابرة، ووفق هذه الرؤية لن نستعلم عن آخر أخبار الحرب على داعش، ولا متى وكيف ستنتهي، ولكن يحق لنا التساؤل عن الجهة التي أصدرت قراراً بتدريس "الإرشاد والصحة الروحانية" في قسم للإمامة والوعظ والإرشاد!
ما هي الخطة الدراسية لتخصص لا مثيل له في أي من جامعات العالم، ولن ينفع الاستدلال هنا بأقسام "الصحة الروحانية" في بعض الجامعات البريطانية والأمريكية، التي تقدم دراسات عليا في الرعاية الصحية النفسية لحملة البكالوريوس في علم الأديان المقارن، غالباً، بحيث يوظف إيمان المريض في مراحل العلاج، بغض النظر عن دينه، وبلغة أدق فإن مفهوم الصحة الروحانية في جامعات الغرب لا علاقة لها بالدين المسيحي أو غيره من الأديان، كما أنه ليس علاجاً بحد ذاته أو يجري استخدامه لغايات سياسية أو أمنية.
بالمقابل، ماذا سيمتهن خريج "الإرشاد والصحة الروحانية" من إحدى كليات الشريعة، وكيف سيفيد مجتمعه أو يرشده؟ وهل سيتلقى مناهج تختلف عن تلك التي يدرسها زملاؤه طلبة الشريعة في جامعاتنا، الذين لم نجد واحداً منهم إلى الآن يوضح لنا كيفية تجديد الخطاب الديني باستثناء ترديدهم أنهم يمثلون "الإسلام المعتدل" حين أرادت السلطة منهم ذلك، فيما لم نشهد من قبل رجل دين واحد ينشد الإصلاح.
ويجدر التساؤل بجدية -في ضوء الانقسام المذهبي في الوطن العربي- إن كنا سنشهد مرشدين روحانيين يبشرون بالسلفية التقليدية أو الجهادية، وآخرين أشاعرة وغيرهم قد يفضل مذاهب أخرى، وأين ستكون حدود الاختلاف والخلاف الجديدة بينهم!
تتعمّد السلطة أن تفرض، في سياق مواجهتها للتطرف، قرارات وسياسات من دون إخضاعها لنقاش معرفي، بل تقدمها باعتبارها الوصفة النموذجية لتجديد الخطاب الديني، ليتبيّن لاحقاً أن بنية تفكيرها لم تتبدل وكذلك خطابها وأدواتها للتغيير، وخير دليل هو استحداث هكذا تخصص أو تعديل المناهج بلا تطوير لمضامينها السابقة، ظناً منها أن الحملات الدعائية كافيةً لنقْل الصورة التي تريد، وهي لا تدري أن لحظة الحقيقة والمكاشفة لابدّ ستأتي يوماً ما.
وحتى نصل إلى هذه اللحظة، ونقيم جدلاً فاعلاً حول قضايانا الوطنية من غير وصاية مسبقة، أدعوكم إلى متابعة فيلم "السحر في ضوء القمر"، للمخرج وودي آلن، والذي اقتبسته عنواناً لمقالي هذا، لتشاهدوا قصة ساحر مشهور يعتقد أن ما يقوم به هو مجرد تحايلات على العقل الإنساني، فهو لا يؤمن بالسحر ولا بالغيب، حتى أوقعت به امرأة تزعم أنها تحضّر الأرواح وتكشف المستقبل، فانخدع بها ساحرنا فترة كاد أن يغير قناعاته الماضية، ليكتشف فجأة أن صديقه المقرب –وهو ساحر أيضاً- أراد الانتقام منه بسبب شهرته فأطلع هذه "الروحانية" على أسرار حياته.
- محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.