الزلزال.. من يدفع الثمن؟!
من المبكّر الحسم مسبقاً بتعريف هوية النظام المصري الجديد؛ وفيما إذا كانت الديناميكيات الداخلية والخارجية ستسمح بتخليق ديمقراطية ناضجة هناك، أم أنّ جهود السيطرة على الثورة ستنجح في الإمساك بالتفاصيل، والحدّ من تداعيات ذلك داخلياً وإقليمياً.
مع هذا؛ فإنّ مجرد سقوط النظام المصري، بعد النظام التونسي، عبر ثورة شعبية، بمثابة زلزال شديد يضرب المنطقة بأسرها، ويقلب الطاولة، ويعيد هيكلة الرهانات لدى أغلب الدول العربية والقوى الإقليمية، بما يتناسب مع شروط الأمن الإقليمي الجديد، وما يصيب -كذلك- الأوضاع الداخلية للدول العربية، تحديداً، في الصميم. من ما يزال يشكّ في تعريف الزلزال الحالي أو الاعتراف به سيدفع الثمن أولاً، كما حدث مع مصر عندما تهكّم وزير الخارجية، أحمد أبو الغيط، على مفهوم "العدوى التونسية".
اهتزازات الزلزال الديمقراطي لا تصيب فقط المعادلات الداخلية وتطرح أسئلة الشرعية والإصلاح السياسي، بل أيضاً الرهانات الإقليمية، وتدفع إلى قراءة مختلفة تماماً عن المرحلة السابقة، بالتوازي مع تبدّد فرصة التسوية السلمية وبروز القوة التركية الجديدة. ذلك يضرب فوراً رهانات ما كان يسمى "معسكر الاعتدال" العربي، الذي لم يعد موجوداً على أرض الواقع، مع تراجع المساهمة السعودية (بعد إحباط المبادرة العربية: إسرائيلياً ودولياً)، وخروج سعد الحريري من اللعبة حالياً، مع إمساك تيار المعارضة بالحكم في لبنان، فضلاً عن الزلزال الأكبر وهو سقوط حسني مبارك. السلطة الفلسطينية هي أول من يدفع الثمن اليوم، فبالإضافة إلى أنّ النظام السابق كان راعياً وداعماً رسمياً لها، في مقابل حركة حماس، وممسكاً بملف "المصالحة الداخلية"، ما يعني أنّ ميزان القوى اختلّ كثيراً لديها، فإنّ جمود التسوية، وهي بمثابة "شريان الحياة" للسلطة، يضرب جذور استقرارها وشرعيتها.
إذا وضعنا ذلك في كفّة واحدة مع التسريبات التي تولّتها فضائية الجزيرة مؤخراً حول المفاوضات، وقد أطاحت بكبير المفاوضين صائب عريقات مؤخّراً، فإنّ مستقبل السلطة الفلسطينية سيكون بأسره على المحكّ.
أردنيّاً، فإنّ الزلزال الإقليمي يستدعي مراجعة فورية للرهانات الإقليمية وللتشبث بفرص من الواضح أنّها -على الأقل- في المدى المنظور لن تخرج من الحلقة المقفلة الحالية، بل إنّ استمرار التعلّق بهذه الرهانات سيؤدي في نهاية اليوم إلى إضعاف الدور الإقليمي الأردني.
الكل ينتظر التموضع المصري الجديد، بعد الثورة، لكن أي نظام مصري جديد لن تكون لديه القيود التي حكمت نظام الرئيس مبارك، وهو ما قد يدفع بإسرائيل، تحديداً، إلى القلق ومحاولة استباق الأمور، في التعامل مع "الجبهة الجنوبية"، حيث تشكل المتغيرات الجديدة "طوق نجاة" لحركة حماس في مواجهة الحصار الإسرائيلي-المصري المشترك السابق.
في مواجهة ذلك، فإنّ المطلوب توسيع هامش المناورة الدبلوماسية الأردنية في المنطقة، وإعادة تعريف الدور الإقليمي خارج حسبة محوري الاعتدال والتشدد، التي انخرطت السياسة الأردنية في التنظير لها حيناً من الدهر، والبحث عن إعادة بناء شراكاتنا على أسس جديدة. الاستدارة التكتيكية الأردنية بدأت، مسبقاً، بترطيب الأجواء مع عواصم إقليمية، والمطلوب استكمالها من خلال فتح قنوات جديدة في العلاقة مع حركتي حماس وفتح، ومناقشة ملفات المصالحة، إلى حين العودة المصرية.
ربما ينظر "مطبخ القرار" إلى المتغيرات الإقليمية بقلق. لكنها في الصميم تخدم إعادة بناء موازين القوى الإقليمية، بالشراكة مع تركيا في مواجهة الصلف الإسرائيلي الواضح.
الغد