الرزاز.. والتيار المدني

الرزاز.. والتيار المدني

التقيت دولة د. عمر الرزاز عن قرب لأول مرة منذ حوالي العامين، وذلك خلال ورشة عمل شاركت بالتحضير لها ضمن فريق مركز هوية انذاك، وكانت الورشة تتحدث عن مفهوم “العدالة الاجتماعية”، وكان دولته أحد المتحدثين الرئيسيين في تلك الورشة.

 

 

لم أخف إعجابي الشديد وقتها بأداء دولته، حيث عرض وشخص بمهارة شديدة ولغة سهلة ممتنعة أهم الآفات التي تفتك بمنظومتنا، والتي تمنعنا من تحقيق تنمية ونهضة شاملة في كافة الميادين، كما اختتم حديثه آنذاك بالمقولة الخالدة لابن خلدون في مقدمته المشهورة “الملك بالجند، والجند بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعمارة، والعمارة بالعدل”..

 

 

 

لا أستطيع إنكار أنني في حينها تمنيت ان يقود هذا الرجل المرحلة الانتقالية اللازمة للعبور الى “العقد الاجتماعي” الجديد، والذي مايزال دولته يبشر به، ولكن – وللأسف – دون أن نلحظ خطوة عملية واحدة باتجاه هذا العقد المزعوم!

 

 

بمجرد ان كلف جلالة الملك دولة د. عمر الرزاز بتشكيل الحكومة، استجابة للهبة المباركة على “النهج السائد”، بدأ الكثيرون من المتابعين والناشطين لعبة التصنيف، وفورا صنف الرئيس على “التيار المدني”، وهو كذلك من وجهة نظري على الاقل، حيث صادف قبل ذلك الضجة الاعلامية الكبيرة، والحوار الوطني الكبير الذي رافق الاعلان عن رغبة أبرز رموز التيار بتسجيل حزب “التحالف المدني”..

 

 

 

أضاع الرئيس الكثير من تفاؤل هذا التيار بشكل خاص والتفاؤل الكبير الذي ساد نتيجة تكليفه بشكل عام، عند أول اختبار واجهه دولته، الا وهو “مؤشر التشكيلة الحكومية”، ففي حين اشتكى جلالة الملك بأن عدد الوزراء الذين كانوا “يعملون” في الحكومة المسقطة شعبيا لم يزد عن أربعة الى خمسة وزراء، وبأن جلالته اضطر ان يعمل نيابة عن الوزراء الذين لا يعملون! وأيضا صرح الرئيس المكلف بأنه لن يعود الى تشكيلة الحكومة أكثر من ستة وزراء، وبأن التشكيل لن يكون تقليديا، لا من حيث الاسماء، ولا من حيث “الكوتات والتمثيل الجغرافي” المقيت ما دون الوطني..! ليفاجىء الرئيس الجميع – وأولهم نفسه – على ما أعتقد وأجزم، برضوخه التام للأسس القديمة و “النهج” الذي هب الاردنيون ضده في هبتهم المجيدة في رمضان! وليخرج علينا في تشكيل هو أقرب للتعديل الوزاري على حكومة سقطت شعبيا!

 

 

 

على الرغم من “المكياج” الذي حاول الرئيس أن يزين به الواقع “الواقع” – على حد التعبير الشعبي الاردني -، الا ان حدود الولاية العامة للرئيس برزت جلية وواضحة في أول مؤتمر صحفي للرئيس، ومازالت تزداد وضوحا كل يوم.. حيث تبين ان حدود هذه الولاية لا ولن تتجاوز محاولة مواءمة الوضع الاقتصادي والاجتماعي مع الظروف الشعبية التي لم تعد قادرة على التحمل، في محاولة لأن لا تتطور “الهبة” الى ما هو أبعد!!

 

 

ولاية الرئيس لن تشمل السياسة الخارجية، والتي مازال يقودها ويوجهها جلالة الملك مباشرة، كما لن تشمل الولاية على ملف الامن، أبعد من المهام اليومية للشرطة والدفاع المدني، أما ملف الفساد ومحاسبة الفاسدين، فلم يكن الرئيس الا مغرقا في الشفافية حين صرح في بيان الثقة بأنه لن يفتح ملفات فساد “تزعزع الامن الوطني”!!، أما ملف الاصلاح السياسي، فإلى حين ان نرى خطوات عملية بهذا الاتجاه من مثل تعديل دستوري يعيد الاعتبار بوضوح الى الولاية العامة للحكومة، ويغير الطريقة التقليدية في تشكيل الحكومات ومجلس الاعيان، وايضا التزام الحكومة الواضح بتقديم مشروع قانون انتخاب جديد، وايضا تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، بالاضافة الى تعديل نظام “تمويل الاحزاب من الموازنة العامة للدولة”، فلا معنى أبدا من تكرار الرئيس لمفردة “العقد الاجتماعي الجديد”. أذا، ومن أجل تسمية الاشياء بمسمياتها، فإننا أمام حكومة تصريف أعمال لا أكثر ولا أقل!!

 

 

استحقاق الثقة القادم، والذي سيبدأ الاحد المقبل بماراثون ردود النواب على بيان الثقة، سيضع نواب التيار المدني تحت الاختبار العصيب مع مبادئهم المعلنة، ومع رؤيتهم للاردن الذي يريدون. سيتابع كل من يؤمن بهذا الفكر وبهذا التيار الردود النيابية عن كثب، وسيضعون “نوابهم” تحت المجهر.. وبالاخص النائب عضو حزب التحالف المدني – تحت التأسيس – قيس زيادين، والذي أتمنى منه ان يبرأ بنفسه وبالتيار وبالحزب تحت التأسيس عن ألصاق “الفشل الحكومي” بالتيار المدني!

أضف تعليقك