الربيع العربي 2014

الربيع العربي 2014
الرابط المختصر

انتهى "الربيع العربي" في سورية إلى كارثة تفوق أسوأ الكوابيس رعبا، وأصبح "الربيع العربي" كله موضع هجاء وسخرية وتشكيك، خصوصا من أنصار نظرية المؤامرة الذين يرون في ما آلت إليه الثورات إثباتا لرأيهم؛ بأن الأمر منذ البداية كان سيناريو معدا سلفا من الخارج لتفتيت الدول وتخريبها.

لنضع جانبا نظرية المؤامرة التي يتم استلالها كل مرة لتفسير كل شيء، أكان سلبيا أم إيجابيا. الحقيقة هي أن الأمور تطورت في كل بلد وفق مسار مختلف، تبعا لواقع البلد والنظام السياسي، ولم يكن من شيء مقررا ولا مقدرا سلفا، وكان للأطراف الفاعلة على الأرض الدور الرئيس في رسم مسار التطور الذي تابعته القوى الخارجية، وتدخلت فيه أو لم تتدخل وفقا لتشخيصها للموقف، وللاعتبارات الكثيرة التي تحكم القرار.

الثورات الشعبية العربية ليست مدانة على التطورات المأساوية. ولم يكن أحد في البداية ليدين أو يعترض على نزول الجماهير بعشرات ومئات الآلاف إلى الشوارع تطلب التغيير، وإنهاء حقبة الاستبداد والفساد، وتنحية القيادات التي تربعت على كراسي الحكم لعقود، وتنوي توريثه لأولادها، وهي تفتقر لأي شرعية، بما في ذلك شرعية الإنجاز.

الثورات بدأت سلمية، بتظاهرات شعبية شاملة أدهشت العالم، وأعادت للشعوب العربية اعتبارها أمام الأمم، بعد أن ظلّت لعقود، بل لقرون خاضعة خانعة، لا دور لها أبدا في تقرير من يحكمها، أكانت سلطة محلية أم أجنبية، وكانت الصيغة الوحيدة للتغيير هي الانقلابات العسكرية التي تمر من فوق الرؤوس، فيعرف الناس من يحكمهم من الإذاعات فقط.

مدى انصياع القوات العسكرية والأجهزة الأمنية للنظام، وشراسة القمع، قررا مسار الثورة ونجاحها السريع أو تحولها إلى مواجهة مسلحة مديدة. وكانت الثورة التونسية الأوفر حظا، تلتها الثورة المصرية. ولم يكن الأمر كذلك لبقية البلدان؛ فقد طالت الأمور في اليمن حتى نجحت الضغوط السياسية مع إصرار اليمنيين على التظاهر بلا كلل أو تعب طوال عامين، في إجبار رأس النظام على التنحي.

وحسم التدخل الخارجي بالقصف الجوي الأمر مع نظام القذافي. أما المصير الأسوأ على الاطلاق، فهو لسورية التي تنفطر عليها قلوبنا. إذ إن قسوة النظام ووحشيته انتهتا إلى وأد الثورة السلمية، وتغليب الحرب الأهلية التي أصبحت أرضا خصبة للتطرف المذهبي وسيادة التوحش، ودخول القوى الظلامية الأكثر دموية على خط الصراع. والحال أن خشبة الخلاص باتت بتسوية بين النظام والقوى الديمقراطية، على مبدأ لا منتصر ولا مهزوم، وشراكة في السلطة لمرحلة انتقالية تحاصر تفريخات "القاعدة"، وتبني النظام البديل.

المفارقة أن "الربيع العربي" بعد أن وجه ضربة قاصمة للتطرف الظلامي؛ فجعله معزولا مخزيا أمام حركة الجماهير السلمية للتغيير، عاد هو نفسه ضحية التطرف الظلامي، بعد فشل الحركة الجماهيرية السلمية في بعض البلدان. فعادت الكلمة للسلاح والقتل والوحشية، وانتعشت التنظيمات الجهادية المتطرفة مجددا. لقد تضافرت القوتان النقيضتان للديمقراطية والحرية والسلام والتحضر، في وأد "الربيع العربي" والتغيير الديمقراطي في سورية. وهي حاضرة في البلدان الأخرى، مع الصعوبات التي تواجه بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية.

العام 2013 كان عام غرق "الربيع العربي" في التعثر عبر المخاض العسير والصعب لبناء البديل. وفي سورية، كان عام تكريس الحرب الأهلية الدموية. فكيف سيكون العام 2014؟ الأمل بنجاحين سيؤثران على عموم المنطقة: نجاح خريطة الطريق المصرية في إنهاء المرحلة الانتقالية، بعودة كاملة إلى ديمقراطية انتخابية؛ ونجاح تسوية سورية برعاية دولية بين النظام والمعارضة الديمقراطية.

الغد