الربيع الأردني: أفكار سقطت.. وأخرى نهضت!

الربيع الأردني: أفكار سقطت.. وأخرى نهضت!
الرابط المختصر

في وقت مضى، كان ثمة من يصف الذين يخرجون الى الشارع للاحتجاج بأنهم «مندسون»، ومن يتهم «المعارضة» بأنها تتلقى أوامرها من الخارج، ومن «يتصيد» كلمة نقد واحدة تجاه «الحكومة» ليأخذ من قالها الى السجن.

الآن، سقطت معظم هذه الافكار، فقد شهدنا أكثر من «الفي» مظاهرة ولم نقبض على «مندس» واحد، ولم نسمع أن «أحزابنا» التي تواصل مسيراتها ومطالبها تتلقى تعليمات «حراكاتها» من الخارج، كما ان أحداً لم يجرؤ على محاكمة «النقد» الذي كسر كل الحواجز أو احالة اصحابه الى المحكمة!

يبدو أننا تغيرنا فعلاً، لكن ثمة من لا يريد ان يعترف بذلك، أو ربما من يرى في هذا «التغيير» نوعاً من «الاستثناء» الذي يمكن استيعابه أو «ابتلاعه» باعتباره «جمعة» مشمشية ستذهب على عجل.

من يتابع ما يحدث في الشارع يدرك ان اهتمامات الناس واولوياتهم قد تغيرت، وان ثمة «الهاماً» ما اوحى اليهم بوعي جديد، وطرد من صدورهم الخوف واليأس وأعاد اليهم «الامل» بقدرتهم على التغيير.

هذه المعادلة خطيرة وتحتاج الى فهم جديد، فهي تطهر الناس من كل التهم التي كانت تلصق بهم اذا ما احتجوا وتضعها على الطرف الآخر، خذ مثلاً سقوط تهمة «الاندساس» مقابل بروز ظاهرة «البلطجة».. وخذ مثلاً سقوط تهمة «العجز» عن الناس مقابل ظهور «تهمة» التلكؤ والتباطؤ والتخبط التي تطلق على الرسمي، وخذ ثالثاً اصطفاف الناس في طابور المطالبة «بالاصلاح» مقابل انفراط عقد المتواطئين ضده أو الصامتين على استعصائه.

ديمقراطية الناس التي كان يقال بأنها «فوضى» أصبحت نموذجا كما نراها في الشارع، وهي افضل من صورة «الديمقراطية» التي رأيناها في بعض مجالسنا النيابية، وفي «الوصفات» الرسمية التي تبين أنها مجرد حبر على ورق، إذن سقطت مذكرة «عدم نضج الناس» لاختيار «النخب» الموثوق فيها من اجل «الديمقراطية».. كما سقطت بعض هذه النخب ايضاً أمام بروز نخب جديدة من الشباب الذين استطاعوا ان يمثلوا الناس بناء على فرز «صناديق» الضمير لا الصناديق التي لا نعرف من أين امتلأت بأوراق الاقتراع.

فضيلة «الربيع الاردني» انه اسقط كثيراً من الافكار التي كانت سائدة، وفتح عيوننا على «واقع» جديد وافكار جديدة ونخب ربما لم نكن نعرفها فيما مضى.. وكذلك «بلدات» ومناطق لم نكن نتوقع ان لديها مثل هذا المخزون من العتب والغضب والمطالب والاحتجاجات.

في وقت مضى ايضا، كان أقصر طريق لاسكات الناس هو تعيينهم في «موقع» ما أو تلبية مطالبهم الفردية، او استخدام ما يلزم من «وسائط» مجتمعية لاطفاء غضبهم واقناعهم بالصمت، الآن تغير كل هذا، فمعظم الشباب الذين نراهم في «الشارع» يصعب اسكاتهم، فهم لا يحتجون من اجل «وظيفة» او تعبيد شارع او اصلاح ماسورة ما..الخ، وانما يحتجون من اجل تعبيد شارع «الاردن» ليمر عليه قطار الاصلاح بلا توقف وبلا اشارات حمراء.

هذا، وغيره، يعني أننا امام مجتمع جديد بدأت ملامحه تتشكل، وامام واقع جديد لا يجوز ان نتعامل معه بمنطق «الامس» الاعوج، وامام «صحوة» شعبية تحتاج لمن يفتح لواقطه على ذبذباتها ويحسن الانصات اليه واستقبالها بما يلزم من ردود واستجابات عاقلة.

هذا يعني، بالتالي، ان ارادة الاصلاح لا بد ان تنتصر، وان دعاته سيكسبون الجولة فيما خصومه، وان نجحوا في اعاقته مؤقتاً، الا انهم سيخسرون وسيهزمون ايضاً.

من يتابع ويرى بعيون مفتوحة ما يحدث في القرى البعيدة، ناهيك عن الحواضر، يوم الجمع، سيدركن لا بد سيدرك، بأن مجتمعنا قد تغير.. وبأن ارادة الشباب اقوى من ان تكسر، وبأن «عين» العقل أن نفهم ما يجري وان نتعامل معه بمنطق «الربيع» لا سواه من الفصول الاربعة.

الدستور