الدولة التي "خرجت في سبيل الله"..

الدولة التي "خرجت في سبيل الله"..

الحكومة تطلبُ من جماعة "الدعوة والتبليغ" مساعدتها في مواجهة التطرُّف والإرهاب، عبرَ العودة إلى الشارعِ، ودعوةِ النَّاسِ إلى دروسها الوعظيّةِ المعروفة بعد الصلاة في المساجد، مثلما فعلت خلال العقود الماضية، حينما كانَ رجالٌ، بلحىً طويلة، وثيابٍ قصيرة، يقولون إنهم "خرجوا في سبيل الله"، جائلينَ في أحياء عمَّان والمحافظات، يُوقفونَ المارّةَ، لدعوتهم لحضور خطاباتٍ، يُلقيها تائبون، أو طلبةُ مدارس ثانوية، لم يجدوا في العطلة الصيفية ملاذاً، سوى الانضمام إلى "الدعوة والتبليغ".

وإلى الجماعة، وهي تُعدُّ من مصادر النكتة الشعبية في الأردن، استنجدت الحكومةُ أيضاً بالتيار السلفيّ، وبالمتصوّفة، في "خطتها الوطنيّةِ لمواجهة التطرُّف" التي أعدتها قبل عامين، وتكتمت عليها، إلى أنْ نشرتها صحيفةُ "الغد"، الأسبوعَ الماضي، في مسعى لكسبِ الجماعات الثلاث، ضدَّ خصومها/ خصومنا، تحت مظلة وزارة الأوقاف. الخطة تنصُّ على "تقديم رؤية، تتضمّنُ آليات حوار مع المعتدلين من أتباعِ التيار السلفي المعتدل، وجماعة الدعوة والتبليغ، والمتصوّفة، لغايات كسبِ تأييدهم، وضمانِ عدم انحيازهم إلى الصفّ المقابل، وذلك لتفويت الفرصةِ على المُتربصين..".

المطلوبُ من السلفيين، والتبليغيين، والمتصوّفين، وهم يصطفون مع الدولةِ عند "خروجها في سبيل الله" مواجهة "التطرُّف والغُلو الفكريّ (...) من خلال التنوير بثقافة دينية مُنفتحة ومتسامحة، من شأنها أنْ تسمحَ بالتعددية، وقبول الآخر، سواءً أكانَ رأياً، أم فرداً، أم مجتمعاً، أم ديناً، أم ثقافة"، وذلكَ اقتباساً عن الخطة التي تشرحُ ركاكةَ التخطيط الحكوميّ العام، وبؤسه في الاقتصاد والتعليم والإعلام، وفي سائر الانتكاسات التنموية، حين تنهمكُ في توزيع مهمات هذا النوع من المواجهة على دوائرها الرسمية، في أوراقٍ مكتوبة بما يزيدُ عن 6500 كلمة، لم تصل إلى جملةٍ مفيدةٍ وَاحِدَةٍ عن الجذور الثقافية والاقتصادية والبيئات والحواضن الاجتماعية للتطرُّف والمُتطرفين، ولم تستنج حلولاً لظاهرةٍ، يبدو أنها لا تفهمها، في أيَّ مستوى مقبول للفهم، خارج المُحسّنات اللغوية، وتكرارِ ما يُنشرُ ويُذاعُ في الإعلام الرسميّ الذي يتحدثُ مع نفسه، ولا يُصغي إلى الصدى، وهو يرتدُّ في نشاطاتٍ إرهابية، وفي خطابٍ ظلاميٍّ عنيفٍ في المجتمع، أو في فشلٍ تنمويٍّ، باتت مظاهره أكثر وضوحاً من الأزياءِ الأفغانية والباكستانية المنتشرة في المدن والقرى، خصوصاً أنّ الخطة، أشارت إلى ستِ مناطق ينتشرُ فيها المدُّ التكفيريُّ في الأردن: معان، الزرقاء، الرصيفة، إربد، السلط، والكرك.

الأرجح، أنَّ أبا محمد المقدسيّ (عصام البرقاوي)، سيُعيّنُ مستشاراً تنفيذياً للخطة، وهو، بوصفهِ الوظيفيّ "منظِّراً للسلفيةِ الجهادية"، قادَ مفاوضات فاشلة، مع "داعش" لإطلاق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة. على أنَّ الدولة ستحتاجُ إلى جيشٍ من الخبراء والموظفين، لوضعِ قاعدة بيانات للسلفيين، وجماعة "الدعوة والتبليغ"، ولا بدَّ من محللين وخبراء، لمعرفة المعتدل، مِنَ المتطرف، مِنَ المتردّد بينهما في التيار السلفيّ، وهذه هي المهمةُ الأكثرُ صعوبةً وخطورة، عندما تُوظَّفُ الدولةُ مثل هؤلاء، لمجابهة "القاعدة" والإعجاب المجتمعيّ المتنامي بـ"داعش" وتطبيقاته المتعدِّدة.

في هذا الإطار المُهزوز، تقترحُ الخطةُ زيادةً في الإنفاق، ليس على مراكز التدريب المهنيّ، ليسَ على مناهج تدريس الفلسفة والموسيقى، ليس على مخصصات رعاية الشباب، ولا على إصلاح المناهج، بل على "التوسع في إنشاء مراكز تحفيظ القرآن التابعة لوزارة الأوقاف للذكور والإناث"، وما ينتج عن ذلك من كلفةٍ في المباني والتجهيزات والمُحفّظين، وهي إِنْ أرادت مردوداً ثقافياً في هذا المجال، تستطيع توفيرَ ملايين الدنانير، وترك المهمة للآباء والأمهات، وإنفاق الأموال على البنية التحتية المتهالكة في المدارس.

 كما تسعى الخطةُ إلى تعيين 3300 إمام مسجد، و700 مُؤذن، وذلكَ لفتحِ تسجيلِ الأذان على "ميكروفونات" المساجد، وكلُّ ذلك دون دراسةٍ لأعدادِها، وانتشارها الجغرافيّ، ومدى الحاجة لوجود كثيرٍ منها في المنطقة الواحدة، بل وفي الحيّ الواحد.

ومع "التعاون الوثيق" مع السلفية "المُعتدلة"، وتكليف وزارة الداخلية بحوارٍ مع المتطرفين في السجون، ولتحميل الموازنة أعباء إضافية، فإنَّ الأمرَ يتطلّبُ ذراعين قويتين: إعلامية، وتنظيمية. ولذلك تقترحُ الخطةُ دراسة إنشاء قناة فضائية، تُشرفُ عليها وزارةُ الأوقاف، لنشر الفكر المعتدل"، ولا حاجة للسؤال عن دور التلفزيون الرسميّ، أو المحطة الإخبارية العتيدة، المقرر أنْ تبدأ بثها، العام المقبل، ولا عن الإذاعات المتخصصة بتثقيف الذائقة، بوافرٍ من الأغاني الرديئة. أما تنظيمُ التنظيمات السلفية، وقد باتت جزءاً أساسياً من الحلّ، بتحالفها مع التديُّنِ الرسميّ، وهيئته العمومية، فيكون من خلال "نقابةٍ للأئمة والوعّاظ". تبعاً للأجندة الحكومية.

كلُّ ذلك، لمزيدٍ من اطمئنان الدولةِ بالإنجاز. لجذب الاستثمار. لإشاعة الرضى في خيام المعتصمين الباحثين عن عمل. لدراسات وزارة التنمية الاجتماعية عن انهيارات الطبقة الوسطى، ولكي تعملَ دائرةُ الإحصاءات العامة في الرسومات البيانية عن استيطان الفقر والتطرّف في الأقاليم، وهجرة الحلول..

 

  • باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.
أضف تعليقك