الدم الذي لا يصير ماءً

الدم الذي لا يصير ماءً

صباح الخير على ارواح الشهداء ، صباح الخير ، على بيوت السلط العتيقة ، وبيوت الكرك القديمة ، وعلى الجباه التي ما انحنت الا لله ، وعلى القلوب التي تعرف ما يرضاه الله ، وما لا يرضاه.

صباح الخير ، على امهاتنا الطيبات عند مطلع الفجر ، في كل شبر من الارض المباركة ، ارض الانبياء والشهداء والصالحين ، الذين لم ترحل ارواحهم ، وبقيت تقول ان سر الاردن ، كبير ، وسيبقى كبيرا ، بكل شعبنا ، بكل انصاره ومهاجريه ، بكل ما في الانصار والمهاجرين ، من "دم واحد" يسري في العروق ، وهو دم لم يكن وليد عام ، ولا عشرين عاما ، بل ممتد عبر مئات السنين ، وسيبقى لان الدم لا يصبح ماء ، مهما خاض فيه الخائضون ، بأيديهم او شفاههم.

لي في كل مكان في الاردن ، قصة وصديق واخ وابن عم ، ولم اترك قرية او بادية او مدينة او مخيما ، الا وزرته ، على مدى احد عشر عاما ، هي عمر الملف الانساني الذي تناولت عبره مئات القصص والحكايات ، لاناس يعانون من مظلمة ما ، وعرفت الناس على طبيعتهم ، ودخلت بيوتهم ، وجلست الى جداتهم ، وشربت من قهوتهم ، فوجدت شعبا طيبا ، وجدت بيتا لي في كل بيت ، لا يعرف عن "طنين المئات" الذين يريدون اردنا جديدا متناحرا ، بعد تخريب الاردن الذي نعرفه ويعرفنا ، والذين يريدون "صلب الوطن" باسم معاداته او عشقه.هل يصلب المرء وطنه؟ سؤال مفتوح بين يدي من يعتبرون اللحظة مناسبة للصلب ، بدلا من رص الصفوف.

العمل الانساني والاجتماعي يقودك الى استخلاصات سياسية ، من ابرزها ان الناس في عمومهم اطهار وطيبون ، يتقاسمون معا رغيف الخبز وشربة الماء ، صدورهم نقية ، فيهم خير كثير ، لا تبدده هذه العصبية والاستثارات ، ولا ادعاء الوكالة عن احد ، والناس ايضا على مشرب واحد ، لا تأخذهم نعرات ولا امراض ولا.. فورات تخالف الدين والاخوة والتاريخ. والذي يدعي الوكالة لمخاصمة الوطن واهله ، اوالدفاع عنه ، بطريقة لا تختلف عن مخاصمته ، فليرًنا توثيقات وكالته.

ايضا الغالبية الساحقة من اهلنا تتمازج دماؤهم ، وانسابهم ، عبر التاريخ والحاضر والمستقبل ، وما من واحد فينا الا وله خال هنا او هناك ، او جّدة هنا او هناك ، او نسيب هنا او هناك.تتذكر كل هذا الكلام وانت ترى من يريد شق "قلب الوطن" بمنشار تحت ذرائع مختلفة ، وتسأل نفسك هل هناك عنوان وطني او غير وطني في الدنيا يسمح بأن يشق المرء قلبه بمنشار ، ثم يدعي ان القلب قادر على الخفقان بعد ذلك ، واي منطق هذا يسود اليوم ، لدى هذا او ذاك.

الجميع للوطن ، والوطن للجميع ، واذ سبق تعبير "الجميع للوطن" مطلع السطر ، فلأن علينا واجبات جميعا ، تجاه هذا البلد وتجاه استقراره وامنه ، الواجبات تأخذنا الى الاحساس بأن هذا الوطن ليس لمن يهلكنا بصوته المرتفع ، وليس لمن يهدده بتقرير يفرده عند اصحاب الوجوه الشقراء ، وليس ايضا لمن يدعي وكالته ، دون وجه حق ، وليس لمن يريد تفصيله كما يريد ، اذ هناك "حبل سري" يربط كل واحد فينا بهذا البلد العظيم ، هذا الحبل لا يقطعه موقف هنا ، ولا قصة هناك ، و"وحدة المصير" والحاضر والمستقبل ، تفرض علينا ان نعرف ان رمي "الجمر المتقد" بشكل عشوائي ، لا يحمي وطنا.

استبدال العداوات بعداوات اخرى ، امر كارثي ، وكل ما تريده اسرائيل اليوم ، ان يتم تفتيت الوحدة الوطنية الداخلية ، بعناوين وطنية او غير وطنية ، ولا يهمها العنوان ، كل ما يهمها ان نأكل لحم بعضنا البعض ، وان نشهر سيوفنا على بعضنا البعض ، ولا يهم من يبدأ او من يرد ، وكل ما يهمها ان ترى النار مشتعلة في البيت الاردني ، هذا البيت الذي له فضل على الجميع ، ولا يحق لاحد بذريعة مخاصمته او الحفاظ عليه ، ان يشعل النار فيه من الداخل ، ويعتبر الامر وجهة نظر.هل اشعال النار في بيتي وجهة نظر؟.

دعونا من الوكالات التي تنطق باسم اي احد كان ، ولو استفتينا شعبنا ، لوجدنا ان الامر لا يعنيهم ، الا بقدر أسفهم على هذه التغذية المؤذية واثارة الكراهية ، والتخندق ، الذي يخدم اسرائيل ، اولا ، لسبب بسيط ، لانها سترتاح جدا ، حين ترانا نطعن ظهور بعضنا البعض ، فتتحول المعركة من مجابهة مخططاتها ، الى طحن بعضنا البعض ، بهذه الخناجر المسلولة ، التي تتوه بصيرتها ، وتطعن نفسها وذاتها ، متناسية ان الغضب غير منتج ما لم تكن نتائجه مضمونة ، ووطنية ايضا ، ومنطقية من جهة اخرى.

الجميع للوطن والوطن للجميع ، وحتى تنفرج كروب الدنيا ، فان علينا ان نتقي الله ، في انفسنا ، وفي وحدتنا ، وان نصون انفسنا عن الانزلاقات ، وان نتذكر ان الاسهل هو ان تشعل نارا ، وان الاصعب ان نتحمل نتائجها ، او نتمكن من اطفائها.

" عمره الدم ما صار مّيه" ، ولايشرب "الكريم" دمه. أليس كذلك؟.

الدستور

أضف تعليقك