الدعم للأغنياء والرفع للفقراء!
لا معنى لكل هذا الجدل الذي يدور في أروقة الحكومة حول طرق توجيه الدعم إلى مستحقيه قبل الإقدام على قرار رفع أسعار المحروقات.
إنها مجرد طرق للتحايل على حقيقة اكتوى بنارها المواطنون مرات عديدة من قبل. في المحصلة، وحدهم الفقراء وأصحاب الدخل المحدود سيدفعون من جيوبهم الخاوية الزيادة المتوقعة على الأسعار.
الدعم النقدي مهما بلغ، فلن يعادل أبدا الارتفاع المتوقع في أسعار السلع والخدمات.
وثبت بالتجربة أيضا، أن أجهزة الرقابة الحكومية عاجزة تماما عن كبح جماح الأسعار، والحد من جشع بعض التجار. والمشكلة ليست في الآثار المباشرة للزيادة، وإنما في متوالية الرفع التي تطال، وبدرجة مضاعفة أحيانا، معظم السلع والخدمات.
عندما وافقت الحكومة لشركة الكهرباء على رفع الأسعار على الشرائح العليا من المستهلكين ماذا حصل؟ التجار سارعوا على الفور إلى رفع أسعار سلع أساسية بنسبة وصلت إلى 10 %، وشركات الألبان اتخذت خطوة مماثلة، أما المستشفيات فقد أعلنت أنها بصدد رفع أسعار خدماتها.. والحبل على الجرار.
ولم يتخلف قطاع النقل عن المشاركة في المزاد؛ فاعتبارا من يوم غد الأحد، سترتفع أجور نقل الركاب بنسبة 6 %. وركاب النقل العام هم في العادة من الفئات الشعبية والفقراء.
قرار رفع أسعار الكهرباء يشمل 8 % من المستهلكين وفق وزارة الطاقة.
ومن الناحية الرقمية قد يكون ذلك صحيحا، لكن هؤلاء لم يدفعوا مليما واحدا من جيوبهم، ولم يخسروا فلسا من أرباحهم، لأنهم ببساطة حمّلوا الزيادة للأغلبية الساحقة من المستهلكين عبر قرارات رفع الأسعار المشار إليها.
سيحدث الأمر ذاته بعد رفع أسعار المحروقات، ولكن على نحو أكثر إيلاما، نظرا إلى اتساع دائرة القطاعات المتأثرة بالقرار.فاتورة الطاقة في الأردن سجلت أرقاما خيالية لا يمكن تحملها، هذا صحيح.
لكن الحلول المطروحة أيضا كارثية، ولا يمكن للناس تحملها.الدعم النقدي المباشر جُرّب سابقا، لكنه لم يصل إلى جيوب مستحقيه، لأن الزيادة على الأسعار كانت كفيلة بشفطه مباشرة، وفوقه ما تبقى من مداخيل متآكلة.ينبغي التفكير في حلول جذرية تضمن تحميل الزيادة لمستحقيها فعلا. وذلك لا يتأتى بغير مراجعة حقيقة للنظام الضريبي، وأسلوب إدارة الاقتصاد من أساسه.
لقد تجاهلت الحكومات السابقة الكثير من الأفكار البديلة التي تقدم بها مختصون وجهات معنية، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي طرح مقاربات جديدة للإصلاح الاقتصادي، لكنها وضعت على الرف، واعتمدت بدلا منها الحلول السريعة لسد عجز الموازنة، وهي في الواقع حل واحد لا يوجد غيره في جعبة الحكومات، ألا وهو جيوب المواطنين الغلابى.
يبدو أن حكومة عون الخصاونة ستعتمد نفس الحل، لكن الفرق أن الظروف اختلفت كثيرا عن السابق؛ فالمواطنون لم يعودوا غلابى كما كانوا قبل الربيع العربي
span style=color: #ff0000;الغد/span