الحياة تمضي "هاشتاغ"
يبدو أن الـ"هاشتاغ" استقر نهائياً في الحياة العامة بديلاً كاملاً للبيانات والاعتصامات والتظاهرات، التي أصبحت بدورها أسلوباً قديماً عفا عليه الزمن؛ يعود إلى مرحلة ما قبل توسع الاستثمار الأممي في بزنس التطرف والإرهاب الإسلاموي.
(#من_باب_الصلاة_على_النبي_وسنة_النفط_المقدسة!)
لذا، لا غرابة إن لحقت الأحزاب والقوى السياسية بعامة الناس، واعتمدت الـ"هاشتاغ" وسيلة رئيسة للتعبير عن مواقفها، وقصرت فعلها السياسي عليه؛ وهذا ليس مستبعداً لأن المجتمع نفسه بات يختزل دوره ومسؤوليته بإنتاج وسوم وعبارات لها أثر تخديري وتريح الضمائر المتعبة، من قبيل: "#كلنا_معاذ" كما لدينا في الأردن، أو "#كلنا_سفيان" في تونس، أو "#أنا_تشارلي" في فرنسا.
ورغم ذلك، فاجأنا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالسير عكس الاتجاه، فلم يستسلم لـ"الهاشتاغ" ولم يكتف به، فدعا مواطنيه إلى التظاهر ضد الإرهاب. ولا أعرف مَن مِنْ السياسيين التقط هذه الفكرة أولاً، فشجع صاحبها على تطويرها إلى تظاهرة يشارك فيها "زعماء العالم".
#يا_للهول! "زعماء العالم"، الذين يمسكون بدفة القرار، ويتحكمون بمفاتيح القوة ويسيطرون على الإدارة والموارد، وتنضبط في خدمتهم الجيوش وأجهزة الاستخبارات وقوى الأمن بكل عددها وعديدها، لا يجدون ردة فعل على أحداث باريس الدامية سوى التظاهر في الشارع مع عامة المواطنين، الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بـالـ"هاشتاغ"!
#يا_للهول! "زعماء العالم"، الذين جندوا أنفسهم لتخليصنا من الدكتاتوريات وتحريرنا من الطغاة، ليس في جعبتهم شيء، حتى في الدفاع عن أنفسهم، سوى التظاهر العاجز ضد التنظيمات الإرهابية التي نشأت في سياق جهودهم للإطاحة ببعض الأنظمة في المنطقة.
#التظاهرة_برغم_ذلك_ليست_فكرة_ساذجة_كما_تبدو. هي، بكل تأكيد، فكرة تسويفية بامتياز، لكنها ليست ساذجة أبداً. ذلك أنها تحايلت على الواقع، فوضعت "زعماء العالم" المتورطين بدعم وخلق الإرهاب وتنظيماته الظلامية، في سياق واحد مع الشعوب المخدوعة تلك التي تنكوي بنيران الإرهابيين؛ والأهم أنها أحاطت المشهد الدموي بأجواء ميلودرامية إنسانوية ووطنية، لا تبقي مجالاً ولا متسعاً لمساءلة المسؤولين عن السياسة التي منحت الإرهاب يداً طالت حتى باريس نفسها، بعد ان أولغت في دماء أبناء منطقتنا.
#إنها_حيلة_سياسي_مأزوم_يسعى_للتهرب_من_ المساءلة. هي تظاهرة تسويفية، لأنه كان يجدر بأن تنتظم ضد من دعا إليها؛ ضد هولاند المتورط هو وأسلافه وحكومته وأجهزته في دعم الإرهاب وتوفير غطاء سياسي وإعلامي له، بتجاهلٍ واعٍ لحقيقة أن هكذا سياسة من شانها أن ترتد على فرنسا نفسها. وهي تسويفية، لأنه كان جديراً بها ان تفتح باب مساءلة "زعماء العالم"، هؤلاء أنفسهم الذين تداعوا للسير في صفوفها الأولى، عن سياساتهم المدمرة في تحويل المتشددين إلى متطرفين، ثم تحويل المتطرفين إلى إرهابيين مسلحين، منظمين وممولين.
#وهي_تسويفية_لأنها_جاءت_لتبعد_المسؤولين_عن_المساءلة. من المريح أن المسلمات البديهية حول التظاهرة الباريسية تردد ذكرها على نطاق واسع في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وأولى هذه المسلمات أن التظاهرة في باريس جمعت مجلس إدارة الإرهاب العالمي؛ ابتداءً من فرنسا ورئيسها الذي كاد ينافس أبو بكر البغدادي على زعامة "داعش"، إلى أحمد داود أوغلو المتورط هو ومخابراته في دعم وتقديم التسهيلات لمنفذي العملية الباريسية، وتنظيماتهم.
طبعاً الذكاء الإسلاموي الحاد، والحصافة السياسية منقطعة النظير تمنع أوغلو من أن ينتبه إلى المفارقة المكتنزة بالنفاق، التي يصنعها تعاطفه مع ضحايا الحادثة الباريسية الدموية، وهم صحافيون بالأساس، بينما يقمع هو في بلاده زملاءهم الأتراك ويُلقي بهم في السجون.
إنه النفاق الواضح الذي لا يلاحظ، على سبيل المثال، أنه قتل في اليوم نفسه 83 إنساناً في العراق، وفي اليمن 38، وفي سوريا 26، وفي أفغانستان 18، ولم يثر ذلك أحداً. بل ولم يستدع الأمر مجرد ذكر هؤلاء الضحايا إلى جانب أمثالهم الباريسيين الذين شاركت وتشارك دولتهم في دعم الإرهاب في الدول سالفة الذكر.
إن عواقب المشاركة الفرنسية بالاستثمار الأممي في بزنس التطرف والإرهاب الإسلاموي تذكرنا بخطورة التورط في بزنس استقطاب اللجوء السوري، فهو له كذلك عواقبه الطويلة والمديدة الأثر.
#عموماً_الحياة_تمضي_ولا_فرق_إن_ضاعت_في_بيانات_أو_"هاشتاغـ"ـات!
- ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.