الحوار مصلحة حكومية
ما آل إليه البلد خلال الأشهر الماضية من حال سيئ، وصل حد التهديد بتقويض المنجزات وخلق جو مشحون، ضاعف من حالة الاحتقان والتشويش التي مرت بها شرائح كثيرة تعاني أصلا من أزمة اقتصادية خانقة.
ووضعية التهدئة التي بدأنا نشهدها في كثير من الملفات خلال الفترة الماضية، تشي بأن الحكومة اهتدت مؤخرا إلى الطريقة التي تعالج بها حزمة الأزمات؛ سواء تلك التي ورثتها أو تلك التي تسببت بها.
الحكومة تعاملت مع الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني وشرائح واسعة من المجتمع وفق مبدأ التهميش، معتقدة أن هذا الأسلوب سيحقق لها ما تصبو إليه، لكن النتائج جاءت بما لا تشتهي.
والظاهر أن الوصفة السحرية والثمينة التي قدمت للحكومة ومكنتها من إطفاء بعض الأزمات، تقوم على مبدأ الحوار وتؤمن أن الاقتراب من الآخر وسماع وجهة نظره ضروري ومهم، ما دفع الى التهدئة وتسوية كثير من القضايا.
وللأسف فإن كثيرين يسقطون الحوار من حساباتهم كقاعدة أساسية للتطور والبناء وإنهاء الأزمات، إذ يعتبره البعض مجرد تنازل وانعكاس لضعف حيلة ولا يدركون الفوائد الجمة له في تقريب وجهات النظر والتوصل لحلول ترضي جميع الأطراف.
والحوار وإن لم يفض لنتائج ترضي الحكومة، إلا انه يقرب وجهات النظر ويعكس احتراما للآخر، بغض النظر عن أفكاره، شريطة الالتزام بأبجديات الحوار وإدراك إيجابياته الكثيرة ودوره في انتزاع فتيل كثير من الأزمات.
فاعتبار النقاش والتلاقي قاعدة تحترم، يؤسس لنهج مفقود، لربما يقود البلد إلى طريق الإصلاح الحقيقي، إذ لا إصلاح وتغيير يأتي من طرف واحد يؤمن في قرارة نفسه أنه الأدرى والأعرف بالصالح العام وأن غيره جاهلون.
وطالما يعتقد البعض أن الإصلاح ممكن أن يتم قسرا وبغير رضا الطرف الآخر وبالفرض والإجبار، ويرفض سماع وجهة النظر الأخرى سواء كانت مقنعة أم لا، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الأفكار والحديث المجاني عن إصلاح لا يسمن ولا يغني من جوع.
بالمقابل سيظل الآخر، الذي يعنيه الإصلاح، مهمشا ومسيّرا لا مخيرا في هذه المسألة، في وقت تترسخ لديه القناعة بأنه غير مرئي من قبل الآخر ولا يدخل في حساباته، ما يولد شعورا بعدم الرضا ويوفر بيئة خصبة محتقنة ترفض الآخر، فكيف بالتعامل معه؟.
التلاقي بين شرائح المجتمع وتحديدا الرسمية والشعبية يسهم بلا شك في تقريب وجهات النظر، والتوصل إلى حلول مرضية لكل الأطراف، وهذا ما استدلت عليه الحكومة أخيرا، بعد أن قرر رئيس الوزراء لقاء الفاعليات النقابية، وجبهة العمل الإسلامي.
فبدلا من القطيعة، كان الأجدى أن تقدم الحكومة على الاستماع للآخر مهما اختلفت معه، فهي في النهاية حكومة لكل الأردنيين ومنهم المعارضة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
الاقتراب والتواصل يخدم أجندة الحكومة تماما كما يقدم وجهات نظر الأطراف الأخرى، فالحكومة هي الطرف الأكثر اهتماما بنجاح الانتخابات، وهي المعنية بسير العملية الدراسية، وزيادة الإنتاجية، وتحسن المناخ العام في البلد.
إنهاء جميع الأزمات مهمة الحكومة التي تعاملت بسلبية خلال الفترة الماضية ورفضت الحوار، الأمر الذي شغلها عن السير قدما في تنفيذ خطتها وأجندتها الأصلية.
فليعلم الجميع أن لا إصلاح بلا حوار، فالحوار مصلحة حكومية بامتياز.
الغد