الحلول ليست في القرآن

الحلول ليست في القرآن

 

 

يُعاني الإسلاميون الأردنيون من ضعفٍ مُزمنٍ في التقاط إشارات الداخل والإقليم والعالم، وهم عالقون في ممر ضيّق، قليل الضوء والهواء. لا يجدون حتى مظلوميّة حقيقية، تدفعُ الخارج إلى محاولة إنقاذهم، وقد ساروا منذ أكثر من سبعين عاماً في الطريق ذاته، ليحتشدوا في ذلك الممر، وفي تلك الرثاثة الذهنية العصيّة على الاشتباك والتغيير.

التونسيّ راشد الغنوشي، وقبله المغربي عبدالاله بنكيران كانا في اللحظة المناسبة لتجديد حضور حركتي "النهضة" و"العدالة والتنمية" في بلديهما، والأخيرة شكّلت حكومةَ في نظام ملكيّ، شبيه بالأردن، عندما فازت في انتخابات 2011، بوصفها حزباً سياسيّاً، لا جمعية دينية دعوية، متخصصة بالفتاوى، ومتفرّغة للبيانات الإعلامية عن "الفسق والفجور" في المهرجانات الفنيّة.

حركة "النهضة" أعلنت قبل أيام عن "الفصل الكامل بين الدعويّ والسياسيّ في عملها"، بينما يُرابطُ "الإخوان المسلمون" في الأردن حولَ المقرّات المغلقة، ويتنازعون على تركة العقود الماضية، في "أرض الحشد والرباط" المُلخّصة تلخيصاً قطعيّاً لهذا الدور، والمنذورة كليّاً لهذه الوظيفة، ولكلّ ما يُعطّلها أنْ تكونَ بلاداً، يُمسك فيها الناسُ على أدنى الفرص والإمكانات، ويستريح المجتمع من هذا الاستنزاف البائس لآماله ومصالحه.

 

بقيت مرجعيّة الحركتين التونسية والمغربية دينية، بين تجربة قويّة، تستعيدُ توازنها، كما هو حال "النهضة" التي تتحدّثُ أخيراً بلغةٍ علمانية-عقلانية واضحة، وأخرى تنجحُ في الإدارة السياسية، وتقارعُ خصومها بخطابٍ مدنيّ، دونَ أنْ تفرضّ إيقاعاً دينياً على حياة المغاربة.

مثلُ ذلك لا يحدثُ في الأردن، حتى لمجرد قطع الطريق على من يطالبون بدولةٍ مدنية، تحظرُ الأحزاب الدينية، ومن البؤس أنْ نتذكّرَ سلوك "الإخوان المسلمين" في البرلمان، أو حينما استحوذوا على حقائب وزارية في التسعينات، وانصبّ جهادهم على منع الخمور أثناء رحلات الطائرات الأردنية، وأسلمة وزارة التربية والتعليم ومناهجها ومناصبها الإدارية والتعليمية، وغير ذلك.

ما يختبرهُ إسلاميو تونس والمغرب، لا يفهمه "إخوانُ" الأردن، أو ربما لا يريدون ذلك، لأنه يضعهم في الاعتراف الذي يهزُّ الأيديولوجيا، ويضعها في مجادلةٍ خاسرة. الإسلام لا يصنعُ دولة. الدين (كلُّ دين) عاجزٌ عن مقاربة الراهن بأسئلته. الفقه ليس قانوناً. الشريعة لا تستطيعُ إدارة الحياة في القرن الحادي والعشرين، حتى لو تقمّصت المرونة والاعتدال،وتكيّفت جزئياً.

مشكلات المجتمع تتطلب حلولاً ليست موجودة في القرآن، ولا في السيرة النبويّة، ولا في مجلّدات الفتاوى، ومهما كانت السيطرةُ قوية وفعّالة على الشارع المتديّن، فالأخطاء لا تسترها العبادات. العملُ السياسيُّ شأنٌ ثقافيٌّ آخر، ينهمكُ كليّاً في شؤون الاقتصاد والوظائف والتعليم والصحة والأمن والعلاقات الدولية، وتبعاً لذلك، فإن مقاطعة الانتخابات النيابية، مع البقاء في المعاقل البديلة كالنقابات والهيئات الطلابية، يكشفُ صلابةَ الجمود الذي حكمَ خطابَ الحركة الإسلامية الأردنية وأداءها عقوداً طويلة، ومن المرجّح أنّ أيّ امتحانٍ قادم لها في انتخاباتٍ برلمانية نزيهة سيُظهرُ كم هي عالقة بشدّة في الممر إيّاه.

حدث ذلك، ويحدثُ الآن الأسوأ: جمعية إخوانية مُرخّصة، وأخرى غير قانونية، تمتلك حزباً مرخّصاً. يتنافس الطرفان على تمثيل الدعوة والعمل الخيري وأثاث المقرّات المغلقة بالشمع الأحمر، وعلى السياسة أيضاً، وثمة من يُصرُّ على تطبيق الشريعة طريقاً وحيدة نحو تحرير فلسطين، انطلاقاً من "أرض الشد والرباط" أيضاً، وثمة من يُريدُ مقاعد في البرلمان المقبل، دون أنْ ينسى الشريعة وفلسطين.

ما يزيدُ الأمر طرافةً وغرابة أنّ الدولة الأردنية التي طبعَ الخوفُ والتناددُ علاقتها مع "الإخوان" ظلّت تُشجّعُهم على هذا التكلُّس. خصوصاً عندما تعترفُ لهم بالولاية الدينية على المجتمع، وتحسبُ لهم حصّة الولد المدلّل أحيانا، وحين تستردها منه مع تبدّل المزاج، تقسو عليه قليلاً، وتتفهمُ حَردَهُ، وهو يتفهّم ظروفها، وينتظرُ المكافأة التالية..

 

باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.

أضف تعليقك