الحكومة أمام امتحان “البلطجية”
إن كان من وسيلة للحكم بها على صدقية الحكومة ، فإنها تتجلى اليوم في الكشف عن هوية "البلطجية" الذين اعتدوا على المتظاهرين سلمياً في ساحة المسجد الحسيني الجمعة الفائت ، إحالتهم للقضاء وإلحاق القصاص العادل بهم وبمن حرضهم واستخدمهم...بيانات الإدانة والاستنكار ليست كافية...مكالمات الاعتذار التي تخاطب حقاً فردياً ، لا تكفي لطمأنة جمهور المواطنيين ولإقناعهم بأنهم يعيشيون في دولة مؤسسات تحترم القانون وتصون سيادته.
لجنة التحقيق التي قيل أنها ستتقصى ما جرى ، لا تكفي وحدها لإثارة الإحساس بالطمأنينة ، فلقد أصبحنا بحاجة "للجنة تحقيق" للتحقيق في مصائر العديد من اللجان المشابهة ، والتي طواها النسيان بعد أن أتمت مهمتها في امتصاص الغضب وتهدئة الخواطر...لا نتائج تعلن ، ولا مذنبين يحاسبون...هل تذكرون التحقيق بأحداث القويسمة ؟،
لا يكفي أن يقال أن الحكومة لا تعرف هوية هؤلاء ، كان بإمكانها أن تعرف ، وأن تعرف على الفور ، ولحظة وقوع الاعتداء على المتظاهرين ، ولقد سئم الرأي العام الأردني شكوى الحكومات ، رؤوساء الوزارات والوزراء ، من أنهم لا يعرفون ، وأن أشياء كثيرة تجري من وراء ظهورهم...ألم يشتكي رئيسُ الحكومة ذات يوم ، من أن انتخابات 2007 زوّرت من وراء ظهره ومن دون عمله؟...ما الذي يتبقى من القاعدة الدستورية التي تقول بولاية الحكومة العامة ، إن كانت أحداث بهذا الحجم ، تجري في قلب العاصمة ، والشمس في عز الظيرة ، من دون علم الحكومة ومن وراء ظهرها.
ندرك أنه موضوع شائك ، وقد يقود إلى إدانة مراكز قوى ، لكن لا بد مما ليس منه بُدّ...وعلى الحلقة الضيّقة من صناع القرار في بلادنا ، أن يتذكروا ، بأن ثورة مصر اندلعت فعلياً بعد "غزوة الجمل" في ميدان التحرير ، بعد هجوم "البلطجية" في الثامن والعشرين من يناير ، مع أنه كان قد مضى على انطلاقتها أربعة أيام بلياليها...العبث في أمر كهذا خط أحمر ، ومقامرة لا تحمد عقباها.
كل حكومة بحاجة لبذل جهد كبير للحصول على ثقة الناس ، هذه الحكومة بحاجة لجهد استثنائي مضاعف ، وثمة قناعة لدى قطاعات لا بأس بها من المواطنين ، بأن بعض رموزها ينتمون إلى مدارس مناهضة للإصلاح ، ، وآخر ما يمكن أن تكون هذه الحكومة بحاجة له ، هي مشاهد من النوع التي رأيناها بالأمس في ساحة المسجد الحسيني.
ثم كيف يستقيم الحديث عن حرية الصحافة والإعلام ، وعن "حرية سقفها السماء" فيما شكوى الصحفيين والمراسلين لا تنقطع عن المضايقات والتحرشات ...كيف يستقيم كل هذا وذاك ، مع "الحملة المنظمة" التي تخاض ضد قناة "الحزيرة" وبعض وكالات الأنباء ، ويجري التعامل مع كل تقرير ينشر ولا يعجبنا ، بوصفه مؤامرة كونية ، أليس في ذلك ابتزاز ما بعده ابتزاز ، للصحافة ووسائل الإعلام...لا مصلحة لنا في ذلك ، كل هذه الوسائل جُرّبت وثبت عقمها...
تستطيع الحكومة أن تتنصل من كل هذه الممارسات ، فلم يثبت رسمياً على الأقل ، أنها جزء منها ، أو أنها صدرت بأوامر وتعليمات منها ، لكن الحكومة معنوياً وسياسياً وحتى قانونياً ، لا تستطيع التبرؤ من هذه الأفعال ، وأحسب من دون مبالغة أو تطير ، بأن مصير هذه الحكومة ، بل ومصير المشروع الإصلاحي التي فوّضت بتنفيذه ، سوف يكون رهناً بالكيفية التي ستدير بها أزمة انفلات "البلطجية" من كل عقال ، فإما يقال أنها حكومة إصلاح فعلاً ، وأما أن يصح فيها القول: "من أول غزواته كسر عصاته".
الدستور