الحكومة..بين المرّ والأمرّ

الحكومة..بين المرّ والأمرّ
الرابط المختصر

في العام الماضي تجاوز عجز الموازنة حدود المليار واربعمئة مليون دينار ، أي ما نسبته %25 من حجم الموازنة ، وهي المرة الاولى التي تواجهها موازنة الاردن منذ تأسيسه ، فيما ظل العجز ما بين الاعوام 2000 وحتى 2004 يتراوح حول (200) مليون دينار فقط ، ثم أخذ يتصاعد منذ عام 2005 حتى بلغ اعلى مستوياته في عام 2009م.

هذه الحقيقة يسجلها مسؤول حكومي بارز أمام عدد من الكتاب والصحفيين لتوضيح موقف الحكومة الحالية من الانتقادات التي تعرضت لها بعد اشهار برنامج الاصلاح الاقتصادي الاخير ، بما ترتب عليه من زيادة لبعض الضرائب (اهمها البنزين والبن والتبغ والاتصالات الخلوية) ، ومن اجراءات تحفيزية للاقتصاد الوطني ومحاولات لدعم بعض السلع الاساسية ، واذا كان من حق القارىء الكريم ان يطلع على وجهة نظر الحكومة ، فان من حقه علينا ايضا ان نطمئنه بأننا نقلنا كل ما يدور في ذهنه من ملاحظات الى "المسؤول" ، وهو واجبنا بالطبع ، لكن تبقى مسألة "الاجتهاد" في تقدير الحكومة لما اتخذته من اجراءات اضطرارية ، في موازاة اجتهاد المواطن في قبول أو رفض هذه المبررات ، وهي قضية نتركها - فهما وحكما - للقارىء العزيز..

الرسالة التي يريد المسؤول الحكومي ان تصل لافهام الناس هي ان الحكومة الحالية ورثت "حملا" ثقيلا بوجود عجز غير مسبوق في الموازنة ، اضطرها الى التفكير بما يمكن من بدائل لمواجهته وخفضه (يتوقع ان ينخفض العجز من مليار ونصف الى نحو مليار هذا العام) ، وحين استعرضت كل ما لديها من خيارات لم تجد سوى ما قامت به من اجراءات تضمنها البرنامج "التحفيزي" الذي صدر قبل نحو اسبوعين.

كيف حدث هذا العجز؟ ولماذا جرى ترحيله عاما بعد آخر؟ وهل تفكر الحكومة باعلان سلسلة جديد من الضرائب هذا العام؟ ثم ماذا عن المساعدات الخارجية.. هل يمكن ان نسمع اخبارا جيدة حولها.. ؟وماذا عن الدين العام: هل ثمة أمل في انخفاضه ؟، هذه عينة من الاسئلة التي حاول المسؤول الحكومي ان يجيب عنها ، وكانت اجاباته كالتالي: العجز حدث اثر التوسع في الانفاق ، وعدم تقدير ما يصلنا من ايرادات ومساعدات في موازاة ما نصرفه وننفقه ، بمعنة ان سيادة منطق "اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب" هيمن على صناعة القرار المالي والاقتصادي بدل منطق "اعقلها وتوكل".

ويضيف المسؤول: حدث هذا ما بين الاعوام 2005 - 2009 ، وتم ترحيله عاما فعاما الى ان جاءت الحكومة الحالية فقررت مواجهته وهي تعرف ان لذلك استحقاقات وثمنا ، ولكن كان علينا ان ندفعه لأن تأجيله سيفاقم الخطر.. الى ابعد مما نتصور.

فيما يتعلق بضرائب جديدة هذا العام ، نفى المسؤول الحكومي ذلك ، وقال هذه السنة لن يشهد المواطن اي ضريبة ، اما عن المساعدات الخارجية فقد اعرب المسؤول عن ان ثمة "آمالا" ووعودا ، بعضها - ربما - على شكل شطب بعض الديون الخارجية (وهي قليلة) وبعضها على "اجندة" المحادثات والنشاط الدبلوماسي .. وعسى خير ، اما الدين العام فمن المؤكد انه سيظل يرتفع حتى تتعافى الموازنة من عجزها.. لأن خفض الدين يتعلق دائما بتجاوز الموازنة لما تعانيه من حاجة لمزيد من الاستقراض..

أعرف ان ما يهم المواطن هو "انخفاض الاسعار" وكبح جماح "منطق" الضرائب التي تستهلك دخله ، وان ما يريد ان يسمعه هو اخبار سارة عن زيادات في الرواتب أو اعفاءات أو عن "موازنة بلا عجز" ، لكن هذه الاخبار وصلتنا من الحكومة ، في جلسة مغلقة ليست للنشر ، وكان من واجبنا ان نضع القارىء العزيز ببعض ما ذكر فيها من جهة الحكومة على الاقل ، اما من جهة الحاضرين فان الكلام بالطبع كان بمستوى ما يفكر به المواطن.. ولا مجال - بالطبع - لاعادته هنا.. لكن المهم ان يكون قد وصل الى "لواقط" حكومتنا التي تدرك ان "خيارها بين المر والأمر" ، ليس أقسى من خيار المواطن الذي يعاني الأمرين.