الحكومات بين التأميم وتحرير الاقتصاد...

الحكومات بين التأميم وتحرير الاقتصاد...

أكثر من تسعة عقود على تأسيس الدولة الاردنية لم تسجل الحكومات المتعاقبة تأميم القطاعات الانتاجية السلعية والخدمية، وفي عقدي الستينيات استثمرت الدولة في عدد من القطاعات لاسباب جوهرية اهمها ضعف امكانيات القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع مكثفة لرؤوس الاموال منها التعدين والنقل الجوي، ومع منتصف ثمانينات وتسعينات القرن الماضي شهد الاقتصاد سياسات وبرامج لخصخصة ممتلكات الدولة للقطاع الخاص المحلي والدولي، وكان لهذه السياسة ما لها وما عليها، الا انها ساهمت في تحسين اداء الاقتصاد، وتخفُف الحكومات من اعباء وخسائر مجموعة من الشركات التي كانت بمثابة ملاذ للتعيينات والعطايا وغير ذلك من الممارسات التي حمّلت المال العام مبالغ طائلة.

وبعد اكثر من عقدين من الخصخصة وتحول الحكومات الى دور طبيعي يتمثل في تقديم الخدمات الاساسية من الصحة والتعليم والمياه، وزيادة الدور التنظيمي والرقابي لاضفاء المزيد من الشفافية والنزاهة في الانشطة الاقتصادية، تم تسجيل تجاوز على جوهر السياسات السابقة والعودة على القطاع الخاص وسط اتهامات وتجريم في غير محله، وكان شعار عدد من المسؤولين « الشارع يريد ذلك» وذلك استجابة لافرازات ما سمي عنوة وظلما بـ « الربيع العربي» وتداعيات الازمة المالية العالمية التي كشفت العيوب وأماطت اللثام عن الكثير من المماسات التي اضرت بالاقتصاد الوطني، وكان الاكثر تضررا من هذه الممارسات اكثر من 700 الف اردني يوظفون مدخراتهم في سوق الاوراق المالية الذي خسر اكثر من 60% من قيمته السوقية.

العودة عن النجاحات السابقة تمثل في عودة الحكومات للتأثير على مجالس الادارة، والادارات العليا لقائمة من الشركات اما بالتعيين فيها او تحديد سقوف عملياتها وربحيتها، ومن هذه الشركات شركة الخطوط الملكية الاردنية، ومصفاة البترول الاردنية، وحل مجالس الادارة بدون اسباب جوهرية لعدد من الشركات المساهمة العامة خلافا لارادة الهيئات العامة لمساهميها، وهذه السياسات تطرح سؤال جوهري، هل تعود الحكومات الى هذه الشركات والمؤسسات من الشبابيك بعد ان خرجت من الباب وفق القوانين والتشريعات الناظمة للاستثمارات في البلاد؟!.

التأميم لغة صعبة تفقد المبادرة للمستثمرين، وتضعف جاذبية بيئة الاستثمار الاردنية، وفي هذا السياق فان من حق الدولة ان تحصل على الاموال التي تحتاجها للانفاق على عامة المواطنين ومستلزمات الدولة العصرية، الا ان التدخل في الادارات، وقيام الحكومات بدور التاجر والمصنع والموزع هو اصعب قرار تتخذه، وقد تزيد ايراداتها المالية، خلافا لقدرة الاقتصاد على تحمل ثقل الضرائب، لذلك ليس من باب الصدفة ان نجد تراجع مجموع ايرادات الخزينة من قطاع الاتصالات، وربما في فترة زمنية ليست ببعيدة سنجد تراجع الايرادات العامة من السياحة والمحروقات والطاقة، لارتفاع غير منطقي للكلف، والسبب الرئيسي هو انخفاض قسري لاستهلاك الاقتصاد للطاقة وغير ذلك من السلع والخدمات...التأميم وملاحقة المستثمرين والمستهلكين سيدفع احباط الاقتصاد بقطاعاته المختلفة.

الدستور

أضف تعليقك