الحد الأدنى: تجنب الصدام!
السيناريو الذي يرسمه "مطبخ القرار"، يتمثل في تدشين حملات واسعة لحث المواطنين (من أصول فلسطينية) على المشاركة في الانتخابات، وتحريك شخصيات وشبكات سياسية قريبة من حركة فتح والخط العلماني لإقناع الأردنيين من أصول فلسطينية بضرورة المشاركة.
الجهود الرسمية تركّز على هذه الشريحة العريضة، وهي الأكثر تأييداً ودعماً للإخوان المسلمين.
من أجل ذلك، نشّطت الدولة شخصيات من هذا الوسط الاجتماعي، أو لها علاقة وديّة به، في المخيمات والتجمعات والصالونات السياسية، لبناء تيار سياسي يدفع إلى المشاركة.
إذن، ثمة خطّان اشتغلت عليهما الدولة؛ الأول رفع القائمة الوطنية إلى 27 مقعداً، لإغراء هذه الشريحة بالمشاركة في الانتخابات؛ والثاني تجنيد القنوات والعلاقات الرسمية بصورة مكثّفة لإقناع الناس بالمشاركة، وتحريك شخصيات مقبولة في هذا الوسط الاجتماعي للترشّح.
ما يقف وراء اهتمام مطبخ القرار بهذه الشريحة (في عمان وإربد والزرقاء) هو أنّ نسبة مشاركتها في العادة متدنية. وفي الظروف السياسية الراهنة، ربما تكون أكثر عزوفاً.
في المقابل، فإنّ نسبة المشاركة في المحافظات المختلفة الأخرى في العادة كبيرة، وثمة انقسام في موقف الحراك الشعبي ما بين تيار أقرب إلى الطرح اليميني يتجه نحو المشاركة، عبر أحزابه الجديدة وقواه الصغيرة الصاعدة، وتيار قريب من الخط الإسلامي أعلن مقاطعته مسبقاً.
المؤسسة الرسمية لا تبدي قلقاً على عملية الإقبال للتسجيل لدى أبناء المحافظات، بالرغم من صعود الحراك المعارض خلال الأشهر الماضية؛ فقانون الصوت الواحد كفيل –وفقاً لهذه القراءة- بخلق بيئة تنافسية داخل الوسط العشائري.
الخط الفاصل لدى مطبخ القرار، والذي يحدّد مدى نجاح عملية التسجيل كمرحلة أولى مهمة للانتخابات، يتمثل في تسجيل مليوني شخص ليتسلّموا بطاقاتهم الانتخابية.
وإذا ما قلّ العدد عن ذلك بصورة ملحوظة، فإنّه مدعاة لقلق المسؤولين.على الجهة المقابلة، وردّاً على إغلاق رئيس الوزراء الباب على الوساطات، عادت جماعة الإخوان المسلمين إلى موقف أكثر تشدّداً، إذ قررت مقاطعة عملية التسجيل نفسها، بعدما كانت أعلنت سابقاً أن المقاطعة لا تشمل عملية التسجيل.
مع الجماعة هنالك الجبهة الوطنية للإصلاح وقوى سياسية أخرى وحراكات متعددة، وثمة توجهات لما يسمى بـ"المقاطعة الإيجابية"، أي عدم الاكتفاء بقرار المقاطعة، بل بناء جبهة واسعة تدعو إلى عدم المشاركة في الانتخابات.
تحدّي "نسبة المشاركة" ما بين الحكومة والمعارضة، يدفع ببعض السياسيين إلى القلق من سيناريو الصدام بين الطرفين، وهو ما قد يجرّ المشهد السياسي إلى تأزيم حقيقي. ويرتبط هذا القلق بوجود رؤوس حامية داخل "السيستم"، وجيل جديد لدى الإخوان وفي الحراك الشعبي الجديد متأثر بالأحداث الإقليمية.
سيناريو الصدام ليس على أجندة الجماعة؛ فهي ليست مسلّحة ولا انقلابية، وربما إلغاء مسيرتها الليلية ضد قانون الانتخاب، قبل أكثر من أسبوع، بعد حصولها على معلومات بتعبئة داخل خصوم الحراك للهجوم عليها، دليل على محاولتها تجنب الدخول في مواجهات خطرة.
وربما هذا ما يثير القلق أكثر؛ أن تؤدي الاحتكاكات إلى نتائج وخيمة غير متوقعة، ولا مقصودة من الطرفين. وفي هذه الأجواء، فإنّ أي شرارة صغيرة من الممكن أن تأخذ أبعاداً أكثر تعقيداً وخطورة، لا قدر الله!
إذا كان لا بد من المسار الحالي الراهن الذي يفتقد إلى التوافق، فما نأمله، في الحدّ الأدنى، أن يحدث توافق الطرفين على أن يسير خطا المشاركة والمقاطعة بصورة متوازية لا متقاطعة، وتجنب الاحتكاكات واللعب بالنار
الغد