التمترس الفلسطيني في وجه الضغوط ... مفاجأة سارة

التمترس الفلسطيني في وجه الضغوط ... مفاجأة سارة
الرابط المختصر

تمر القيادة الفلسطينية في هذه الأوقات بحالة فريدة من نوعها. فإصرارها على الذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف من أجل إقامة دولة فلسطينية على الرغم من ضغوط إسرائيل والولايات المتحدة، بدأ يؤتي بالثمر على الصعيد المحلي. يزداد الدعم الشعبي للرئيس محمود عباس حيث غالبية الفلسطينيين متفاجئون ومسرورون من تصميم قائدهم.

هذا لا يعني أن كثيرين يتوقعون نتائج فورية وملموسة من التوجه إلى الأمم المتحدة أو من احتمال الإعلان الإيجابي نفسه. ومع ذلك، فإن الحقيقة أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية مصرّ على اتخاذ قرار استراتيجي بعد سنوات من الرضوخ لكل الضغوط، وهذا سيساعد على رفع معنويات الفلسطينيين المحبطة.

كما ينعكس هذا الدعم الشعبي الإيجابي في موقف الفصائل السياسية المختلفة. يقف اليسار الراديكالي من منظمة التحرير الفلسطينية وقادة حماس صامتين وهم الذين دائماً كانوا في أوائل أهل التشكيك بسياسة القيادة الفلسطينية. فهم لا يمكنهم أن يعارضوا هذه الخطوة في الأمم المتحدة في حين أن الإسرائيليين والأميركيين يزيدون الضغط على القائد الفلسطيني يومياً فيما تستعد أكثر من 130 دولة لدعم هذه الخطوة علناً.

هناك عدد من القادة المحليين والإقليميين ممن يعارضون سعي الفلسطينيين إلى الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة، وهؤلاء اختاروا ألا يعبروا عن موقفهم علناً. فرئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، الذي يفضل في الوقت الحاضر دولة الأمر الواقع defacto بدلاً من دولة معترف بها شرعياً de jure اختار أن يحتفظ بموقفه لنفسه. وبينما يتحفظ الأردن، وهو حليف قوي للولايات المتحدة، عن النتائج السلبية المحتملة لهذه الخطوة التي لا تتم بموافقة الإسرائيليين الأقوياء، اختار عدم التعبير عن موقفه، وبدلاً من ذلك نراه يدعم الخطوة علناً.

ولأن القيادة الفلسطينية ظلت لعقود تتراجع تحت الضغط، فإن موقف عباس الحالي يحير الكثيرين. يجادل البعض بأن الإحباط مع سنوات من المحادثات الثنائية غير الفعالة هو الذي أدى إلى هذا التحرك الذي لا يمكن تجنبه. والبعض الآخر يعتقد أن الزعيم الفلسطيني المسن جاد في عدم خوضه الانتخابات المقبلة ويريد أن يدخل إعلان الأمم المتحدة في رصيده.

أياً كان السبب، فإن الفلسطينيين يشهدون قيادة نشطة وأكثر شعبية مما كانت عليه سابقاً. مع ذلك، فإن هناك العديد من الأسئلة التي لا تزال قائمة: هل هذه نهاية أم بداية مرحلة؟ ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ هل تركز القيادة الفلسطينية فقط على الحصول على اعتراف العالم لإقامة دولة فلسطينية ولم تأخذ في الاعتبار وضع خطة محلية لدعم مثل هذا الإعلان على أرض الواقع؟

إن تصريحات عباس العلنية المتعلقة بما سيحدث خلال وبعد الإعلان أربكت كثيرين. فقد قال إنه بعد الإعلان سوف يكون الفلسطينيون مستعدين للتفاوض. ويسأل عباس: لماذا ينبغي التخلي عن المحادثات؟ ذاك أنه بعد الحصول على إعلان الدولة يمكن العودة إلى المحادثات المباشرة. وهذا الموقف اغضب البعض الذي كان يأمل بأن الذهاب إلى الأمم المتحدة هو إعلان طلاق من المفاوضات والشروع بمسار جديد.

اقترح أحد الناشطين الشباب أنه بعد إعلان الدولة، ينبغي أن تكون هناك فقط محادثات متعددة الأطراف وليس محادثات ثنائية. آخرون يعتقدون انه ينبغي أن يتعامل ممثلو دولة فلسطين مع إسرائيل من خلال محادثات غير مباشرة فقط يكون هدفها محدداً بكيفية فك ارتباط الاحتلال بالدولة المعلنة حديثاً.

كما أن هناك تصريحاً مربكاً آخر للرئيس الفلسطيني في ما يتعلق بالاحتجاجات الفلسطينية يهدف إلى طمأنة الإسرائيليين والأميركيين من أنه لن تكون هناك انتفاضة ثالثة. وهو، على ما يبدو، يدعم احتجاجات شعبية هادئة في وسط المدن الفلسطينية فقط. ومن الواضح أن عباس وجهاز الأمن الفلسطيني يفضلان مظاهرات احتفالية في ساحة المنارة في رام الله أو ساحة المهد في بيت لحم، بدلاً من احتجاجات (لاعنفية أو غير ذلك) تواجه الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين غير الشرعيين ونقاط التفتيش التي تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى القدس أو حتى إلى بلدات أخرى من الضفة الغربية.

إن فكرة العودة إلى المفاوضات ومعارضة المظاهرات العنيفة جعلت الكثيرين يعتقدون أن هذا التصرف بالنسبة للرئيس الفلسطيني هو تصرف لمرة واحدة وأن القيادة الفلسطينية بعد الإعلان سوف تعود إلى أسلوبها المطيع المعتاد.

ومن الواضح أن التحرك الفلسطيني نحو الأمم المتحدة ضرب وتراً حساساً عند الإسرائيليين وأحبط واشنطن. قليلون من الفلسطينيين يعارضون هذا التحرك، على الرغم من أن العديد منهم غير متأكدين من أنه سوف تسفر عنه نتائج ملموسة.

وفي حين لا توجد توقعات عالية، فإن الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن مسرور بقيادة تمترست حول موقف صلب يمكّنها من الوقوف في وجه ضغوط إسرائيل والولايات المتحدة. وهذا سوف يساعد عباس بالتأكيد في المدى القصير. ولكن إذا لم يتم أخذ آثار ما بعد التحرك نحو الأمم المتحدة في الاعتبار، وذلك في غضون فترة زمنية معقولة، فإن الشعب نفسه قد يغير موقفه وينقلب على قيادته.

عن الحياة اللندنية

* صحافي فلسطيني

أضف تعليقك