التقاط الإشارات والإحساس بهموم الناس
الظاهر أن الحكومة بدأت بالتقاط الإشارات الصادرة من الشارع، وتجاوبت بشكل إيجابي مع بعض الأزمات، بعد أن تحسست حالة الاحتقان التي حدثت نتيجة أخطاء سوء الإدارة التي أتى بها عدد من المسؤولين.
وخلال اليومين الماضيين لمسنا أسلوبا جديدا في التعاطي مع قضايا تهم الناس، وفق معادلة جديدة تضمن سحب فتيل أزمات قائمة وأخرى متوقعة.
ونأمل أن يكون نمط التعامل الجديد مرتكزا على فهم جديد وعميق للواقع المحتقن، ويهدف إلى التهدئة بهدف طي العديد من الملفات التي تشتبك فيها الحكومة مع قطاعات مختلفة، عانت من أزمات خانقة، وتصدرت عناوين الأخبار والصحف وأبرزها الماء والكهرباء.
ويبدو أن التوجيهات التي دفعت باتجاه التهدئة تعكس فهما كاملا ومشبعا لمجريات ما يحدث، وتعي تبعات الحالة التي سادت خلال الفترة الماضية ونتائجها السلبية على حياة الناس، وقد تكون إرهاصات لسياسة جديدة ذكية وتمتلك إدراكا لكيفية معالجة الأزمات وامتصاص تبعاتها، وتسعى لانتزاع فتيل بعض الأزمات قبل تفجرها وتفاقمها لحد تصعب السيطرة عليه.
ومن الإنصاف القول إن الحكمة هي التي اوجدت هذا النهج وتطبيقه جاء للحؤول دون اندلاع أزمات جديدة، وقودها الظروف الاقتصادية الصعبة، وتدني المستوى المعيشي لشرائح واسعة من المجتمع لأسباب محلية وأخرى خارجية.
ونتمنى أن يكون صوت العقل قد تغلب أخيرا على العواطف والنزق اللذين سيطرا على بعض المسؤولين خلال الآونة الأخيرة، ونتج عنهما التعامل باستخفاف مع كثير من الملفات التي تهم الناس، ومنها ما يرتبط بخدمات أساسية تمس حياتهم مباشرة.
وإبداء الاهتمام الكافي بمواضيع تهم الناس يكفل الرضا، كما أن عدم الاستخفاف بالقضايا التي تمسهم، ومنحها الجهد المطلوب بالتأكيد يجلب نتائج ايجابية لجميع الأطراف بما فيها الحكومة.
فتعدد جبهات الاختلاف والخلاف، لا يصب في صالح أحد؛ بل على العكس تماما، فإنه يعمق فجوة الثقة ويضعف الأداء ونتائجه، ويزيد الفجوة بين الناس والمسؤولين الذين تكاثرت أخطاؤهم خلال الفترة الماضية، ربما لسوء طالع أو سوء تخطيط.
التطلع لمصالح الناس واهتماماتهم من منظورهم وليس بعين المسؤول، يجعل الأمر أكثر سهولة، فنظرة إلى الحالة من منظار الفرد بالتأكيد ستجعل القرار المتخذ مختلفا وأكثر تحسسا للمشاكل، وأكثر نجاعة في علاجها.
والطريق الجديد الذي يرتاده المسؤولون صحيح، رغم أنه لن يكون ممهدا وسهلا بعد كل العثرات السابقة، بيد أن الحركة التصحيحية التي أتوا بها ستحقق نتائج ايجابية للبلد قبل أية جهة كانت، وترسخ قاعدة سليمة في كيفية التعامل مع الأزمات. فإنهاء المشاكل وطيّ بعضها يعطي فرصة حقيقية للتطلع إلى ملفات أكثر أهمية، وعدم تضييع الجهود المبذولة من دون تحقيق النتائج المرجوة.
والمضي في اتباع هذا الأسلوب وسحبه على ملفات أخرى، أمر ستلمس الحكومة نتائجه الإيجابية، من خلال ما سيشيعه من أجواء إيجابية حول أدائها، في حال استمرت في هذا الطريق.
إدارة الأزمات فن بذاته، وإتقان هذا الفن بحاجة إلى مهارات ليس أولها التوقف عن خوض معارك جانبية تشغل عن الهموم الكبرى، وتزيح عيون المسؤول عن دوره الأساسي في حل مشاكل طالما أرهقت كثيرين.