التطبيقات النموذجية قبل خدمة العلم
تشير المعلومات بأنّ هنالك دراسة جدّية لدى الحكومة باستعادة خدمة العلم مرّة أخرى بصيغة جديدة، وأنّها الآن في طور دراسة الأبعاد الاقتصادية والفنية المتعلقة بالموضوع.
المطالبة بعودة خدمة العلم جاءت في سياق جملة من الأسباب أبرزها الشعور لدى الجهات الرسمية، بناء على دراسات موثقة، بخطورة التراجع في القيم الوطنية لدى جيل الشباب، وأيضاً في سياق نمو الهويات الفرعية وتراجع الجوامع الثقافية الوطنية، وانفجار العنف الاجتماعي وغياب الانضباط والالتزام لدى جيل الشباب الذي يعاني الأمرّين.
في تبرير استعادة خدمة العلم يتم التذكير بالنتائج الإيجابية المترتبة عليها، من قبل التيار المطالب بها، وفي مقدمة ذلك أنّها كانت أداة مهمة للانصهار الوطني في المستويات كافة، أي إضعاف الهويات الفرعية لصالح الهوية الوطنية، والتأكيد على المساواة القانونية والمدنية مقابل الفجوة الطبقية المتنامية، وأخيراً قيم الانضباطية والالتزام واحترام الآخرين، وجميعها قيم تعززها الخدمة العسكرية لدى جيل الشباب.
ربما يكون هذا التوصيف صحيحاً، بشرط أن تدرس الفكرة جيّداً، وتتلافى السلبيات التي أحاطت بتطبيقها خلال العقود السابقة، ويؤخذ بعين الاعتبار أهمية تحديد المدة الزمنية وتقليصها، والربط بين المجال العسكري والمدني فيها، وتقنين القيم التي تمثل الأهداف الرئيسه لها.
لكن، ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنّ إلقاء الحمل كله على "خدمة العلم" وكأنّها كانت الحصن الرئيس للوطنية الأردنية وبإلغائها برزت كل هذه المشكلات، فهذا توصيف غير دقيق وليس موضوعياً، ويقفز على متغيرات كثيرة على درجة أكبر من الأهمية والخطورة.
قبل خدمة العلم كانت المدارس الحكومية في حال أفضل بكثير من اللحظة الراهنة، وشكّل التعليم العام، سواء في مكانة المعلمين أو المناهج والأنظمة المعمول بها، أداة مهمة جداً في الارتقاء بمستوى الطلبة وهويتهم الوطنية السياسية وروح الانضباط لديهم ونمو القيم التربوية الأخلاقية وتعزيزها لديهم.
بالضرورة، لم يكن مستوى التعليم الحكومي متسقاً، ولا على درجة واحدة، بل كان متفاوتاً، لكن بلا شك كانت حالته أفضل بكثير من الواقع الحالي، سواء بمكانة الأساتذة ومستواهم وإخلاصهم لعملهم أو العلاقة مع الطلاب أو في زرع القيم الوطنية والأخلاقية لديهم.
أحسب أن السبب الرئيس للانهيارات الحالية يعود للتعليم العام أكثر بكثير من خدمة العلم، وهو المعقل الحقيقي الذي أصبنا من خلاله، وأفقدنا جزءاً كبيراً من رأس مالنا الوطني، فضلاً عمّا مثله تراجعه من عبء مالي كبير على الطبقة الوسطى، التي اضطرت إلى تدريس أبنائها في مدارس خاصة ما زاد الضغوط المالية والاقتصادية عليها خلال السنوات الأخيرة.
استعادة التعليم العام وتطويره وتأهيله مرّة أخرى بمثابة الخطوة الأساسية الحقيقية في بناء الوطنية الأردنية وتوجيه جيل الشباب الجديد وترسيخ القيم الوطنية والأخلاقية، بدءاً من الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية وصولاً إلى النشاطات اللامنهجية والفن والموسيقى والرياضة والمسابقات الثقافية.
إلى اليوم ما أزال مديناً لمدرسة التطبيقات النموذجية الحكومية في جبل الحسين، حيث درست من الصف الخامس إلى المرحلة الثانوية، قبل أن أنتقل إلى كلية الحسين.
وفي استعادة ذكريات تلك المرحلة إلى الآن لا أجد ما يمكن أن يخدش صورة أي أستاذ قام بتدريسنا وتعليمنا، جميعهم كانوا قدوة وفرساناً حقيقيين في أهم ميادين البناء الوطني، وكان الطابور الصباحي وحده مدرسة وطنية وأخلاقية، والنشاطات اللامنهجية أداة واسعة لملء الفراغ وتعزيز مفهوم العمل التطوعي. أحسب أن تعميم نموذج التطبيقات في مرحلة الثمانينيات كفيل بإحداث ثورة حقيقية في مستقبل مجتمعاتنا وبلادنا.
الغد