تعيش البلاد نوعا من التوتر والاحتقان، فالمسيرة وملابساتها، وردود الأفعال من تجييش وتعبئة، خلقت أجواء مسمومة، وأصبح الاهتمام الأول للغيورين على الوطن عدم الوقوع بمنزلقات أمنية. وشكلت هذه الأجواء محطة غير مسبوقة في العلاقة بين الحكومة والحركة الاسلامية على وجه الخصوص. فالأجواء التي سادت خلال الأسبوع الماضي لا تحمل أخبارا مطمئنة، وكان آخرها قرار حل مجلس النواب، الذي يعني اغلاق الباب أمام اصدار قانون توافقي لنزع فتيل الأزمة، وترسيخ الوحدة الوطنية، وتحقيق اصلاحات ديمقراطية، تضمن السير في البلاد نحو التحول الديمقراطي والوصول الى حكومة برلمانية ، للأسف الشديد لم تتوفر الارادة السياسية، بعد حيث اصبحت هذه القضية خلفنا، وان اجراء الانتخابات على قانون الصوت الواحد سيدخل البلاد في نفق مظلم.
فالحكومة البرلمانية ليست رغبة فحسب، بل هي معطيات واجراءات محددة لا بد من السير بها للوصول الى هذه المرحلة، الجميع يدركون أن الاصلاح السياسي والاقتصادي لن يسقط من السماء ولن يأتي دفعة واحدة، وهو حصيلة نضالات وتفاعلات ومناخات تتشكل لتفضي بنهاية المطاف الى المدخل الحقيقي للاصلاح. كانت الآمال معقودة في الوصول الى ربيع أردني يدخل البلاد في مرحلة جديدة سمتها الاساسية المنافسة الحرة والنزيهة عبر صناديق الاقتراع ، التي تعتبر خيارا حضاريا للوصول الى حكومة برلمانية تتحمل مسؤليات وأعباء ثقيلة خلفتها سياسات الحكومات المتعاقبة، وأوصلت اقتصاد البلاد الى الدرك الأسفل - تباطؤ النمو الاقتصادي بطالة فقر مديونية عجز موازنة - وارتباط جزء مهم من نفقات الدولة في القروض والمنح التي اصبحت عسيرة، خاصة بعد تضخمها، فالقروض والمنح تشكل ربع نفقات الموازنة، واصبح الاردنيون ينامون ويفيقون على متابعة اخبار الدول المانحة لمعرفة مصير المنح التي لم تصل بعد.. لتغطية النفقات الجارية من رواتب ومصاريف متكررة.
تعيش البلاد في ظل هذه المناخات، وقد أسهمت حكومة فايز الطراونة في تعميق الأزمة سياسيا واقتصاديا، فمنذ اليوم الأول لتشكيلها أخذ الرئيس يطلق تصريحات حول احياء قانون الصوت الواحد المجزوء، وحول رفع الأسعار والتضييق على الحريات العامة، وكأن حكومته جاءت لفرض سياسة الأمر الواقع، متجاهلة المطالب الشعبية بحق الاردنيين في اختيار ممثليهم تحت القبة من دون تدخل مباشر او غير مباشر، خاصة بعد وجبات التزوير التي مارستها الحكومات السابقة بفرض مجالس نيابية لا تعبر عن ارادة الشعب الاردني، ومع ذلك دفعت حكومة الطراونة بقانون الصوت الواحد المجزوء لمجلس النواب رغم المعارضة الواسعة لهذا القانون، واعتراف الطبقة الحاكمة بفشله، سواء من خلال مواقف الحكومتين الاخيرتين وطرحهما افكارا تجاوزت قانون الصوت الواحد، اضافة الى رفض اوساط واسعة في المجتمع الاردني لهذا القانون، ولم تشهد البلاد توافقا على موقف سياسي متصل بالاصلاح كما شهدت معارضتها لقانون الصوت الواحد، فلم ينحصر رفض القانون في المعارضة السياسية كما كان سابقا.اضافة الى الاحزاب والحراكات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والمزاج الشعبي العام، فقد برزت اوساط رسمية واسعة ضد القانون، وخير دليل على ذلك ما افرزته لجنة الحوار الوطني المكونة من مختلف الوان الطيف السياسي ، المشكلة بقرار حكومي ورعاية ملكية.
لم تتوقف عرقلة التوجهات الديمقراطية باصدار هذا القانون، الذي تسبب بالمناخات السائدة في هذه الأيام، فقد استبدلت الحلول الاصلاحية بالحلول الأمنية، وأغلقت ملفات الفساد، وسارعت الحكومة بتقديم قانون معدل لقانون المطبوعات المعادي للحريات الصحافية وتكميم الأفواه، انسجاما مع سياساتها، لحرمان المواطنين من التعبير عن رفضهم للنهج السائد. وقد التزمت الحكومة باتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي من دون الافصاح عن تفاصيلها للشعب، الذي سيدفع ثمنا باهظا لهذه الاتفاقية، بالخضوع مجددا لاملاءات صندوق النقد الدولي، بفرض مزيد من الضرائب على الفئات الشعبية من اصحاب الدخل المتوسط والمتدني، ورغم تراجع الحكومة عن رفع اسعار المشتقات النفطية، تحت ضغط التحركات الشعبية الواسعة، الا انها عادت واعلنت مجددا رغبتها برفع الاسعار، تحت ادعاءات باطلة بوجود دعم حكومي على البنزين والديزل، متجاهلة المعلومات الدامغة والمعززة بالأرقام التي سبق ونشرتها في هذه الزاوية، والتي تؤكد أن الحكومة تحقق أرباحا من البنزين، وبدلا من طرح حلول متوازنة وواقعية، بضبط النفقات العامة، وفرض ضريبة تصاعدية استنادا الى نص المادة 111 من الدستور الاردني، تهدد برفع الأسعار.
العرب اليوم