#الاعتصام_المفتوح
يخفق المراهنون على إنهاء الاعتصام المفتوح لطلبة الجامعة الأردنية بالطريقة التي يجري من خلالها قمْع الحراكات العمالية أو حتى السياسية منذ سنوات وعقود، ويتوهمون إمكانية استنساخ "العقل" البائد ذاته مع احتجاجات طلابية ستتوسع رقعتها ويتصاعد تأثيرها مع الأيام.
رئاسة "الأردنية" وغيرها من الجامعات الحكومية والأهلية ستضطر –عاجلأ أم آجلاً- إلى خوض صراعٍ حقيقي لإعادة تعريف دور الجامعة المتمثل بنشر المعرفة والتحديث في المجتمع، ولن يجديها نفعاً الاستقواء بالأمن لحماية الفساد والاستغلال باسم العلْم.
منذ أن دخل الأمن إلى الجامعة الأردنية -في عام 1979، لفض اعتصامها الشهير، ولم يخرج منها حتى اللحظة- بدأت مؤسساتنا الأكاديمية تتخلى تدريجياً عن أهدافها، التي شيدّت من أجلها، وأبقت على هدفٍ وحيدٍ هو ضبط عشرات آلاف الطلبة والسيطرة عليهم، وترافق ذلك مع انهيار العدالة داخل الجامعة وخارجها، سواء فيما يتعلق بإهدار المال العام، أو غلبة المحسوبيات في التعيين والابتعاث، وطال التمييز "تنجيح" الطالب و"ترسيبه" في أحيانٍ كثيرة.
جملة عوامل اجتماعية واقتصادية قادت إلى نتيجة متوقعة عشناها خلال العقدين الماضيين، إذ تحولت جامعاتنا إلى حاضنة نموذجية للعنف بين جموع الطلاب، الذين تخاصموا على أسس إقليمية ومناطقية وعشائرية، وبتنا نتداول دوماً شغبهم مقروناً بأخبارٍ عن شبهات نهب جامعي منظّم وانحدار مستوى التعليم، وليس ببعيد عنّا حوادث قتْل وإصابات خطرة وقعت في عدد من الجامعات الأردنية، مع معرفة الجميع أن هذه المشاجرات تتوقف أو تنخفض كلما أُعلن عن اعتصام طلابي بغض النظر عن مطالبه وشعاراته.
ثمة ألف سبب وسبب يدفع طلبتنا إلى الاحتجاج، بدءاً من الاعتراض على رفع الرسوم، والتدخل السافر في انتخابات اتحاداتهم، وسوء أوضاع مواصلاتهم وغيرها من الخدمات، وتراجع مستوى المرافق الجامعية، وعدم أهلية عدد من مباني الكليات رغم زيادة أعداد المقبولين في جميع الجامعات..
قائمة الاعتراضات المحقة تطول، ولن يكون مستغرباً أن نشهد احتجاجات، ذات يوم، ضد الأحزاب السياسية نفسها التي تدعم بعض الكتل الطلابية، ليس بذريعة "الأجندات الخارجية" التي يدعيها البعض على غير وجه حق، إنما لأن طلبتنا سيضجرون من المنظومة القديمة المتهالكة التي يتشارك النظام ومعارضته في كثير من قيمها.
الأكاديميون الذين ارتضوا التضليل وتسويق الخرافات والأكاذيب، والسلطة –باختلاف مراكزها- التي لا تزال تعتقد بإمكانية تفصيل مجاميع بشرية على مقاسها، والإعلام المدجن، وغيرهم من أصحاب العقول العاجزة المستقيلة لن يستطيعوا أن ينهوا الحراك الجامعي أو يعيقوا تطور رؤيته وأدواته مهما برعوا في بيع الوهم وتخويف بعضنا بعضاً.
الاشتغال على الانقسامات بين الكتل والاتجاهات الطلابية، واللعب على خلافاتهم في موسم الانتخابات، ومحاولات إغراء جزء منهم، وترهيب جزء آخر، ممارسات تنتمي كلّها إلى الماضي وعدّته، فيما سيكون للمستقبل حديث آخر بالتأكيد.
وينبغي تذكير هؤلاء وغيرهم بأن الطلبة سيغيرون وجه المنطقة بأسرها، من دون الحاجة إلى معجزات وخوارق لناموس الكون، فهم الفئة الأكثر تأثراً بالضغوط الاجتماعية والاقتصادية، والأقدر في الوقت نفسه على التخلص من قيود تكبّل غيرهم من قوى المجتمع الحية.
وأن من قَبض على الجامعات لثلاثين سنة وأكثر، وسنّ قوانين ليتحكم بمجالس الطلبة، وتلاعب بالبعثات الدراسية والقبولات، يتحمل وحده مسؤولية الخراب، وعليه هو لا غيره أن يقدّم حلاً "عبقرياً" يُخرجنا من هذه الأزمة المستعصية، ومن عيّن مسؤولين "فاسدين" وأهدر فرصة تطوير الجامعات، ولا يزال يبحث عن مزيد من التدخلات "الأمنية" لمواجهة اعتصامات طلابية محقة، هو من يجب فصله من عمله وكفّ يده وعقله.
مخطئ من يظن أنه مجرد اعتصام مفتوح تجاوز الأسبوعين في الجامعة الأردنية، ويغفل عن كونه مواجهة كبرى سيقرر مصيرها طلاّب الأردن.
محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.