الاستنكاف اخطر من المقاطعة
الاردنيون قلقون تجاه المستقبل وثقتهم بالمؤسسات في تراجع .
بالنسبة للانتخابات النيابية المقبلة قد تكون المقاطعة هي المشكلة الأساسية التي تواجه الحكومة وتؤثر بشكل سلبي على نسبة المشاركة.
لكن التحدي الأساسي يكمن في حالة الاستنكاف التي بدأت تنسحب على جميع مجالات العمل العام, والمقاطعة ما هي الا مظهر من مظاهرها.
(ثمة شعور عام في الأوساط الشعبية باللامبالاة تجاه الشأن الوطني العام, وعدم الرغبة في المشاركة او الشعور بعدم جدوى المشاركة.
ولا تقتصر هذه الحالة على مجالات العمل المرتبطة بالحكومات والسياسات الرسمية عموما, انما تطال ايضا العمل الحزبي والنقابي والاجتماعي التطوعي.
التيار العريض من الناس يبحث عن حلول فردية لمشاكله ويسعى الى ذلك بكل الوسائل المتاحة بصرف النظر عن مدى قانونيتها او اخلاقيتها.
وفي الدول والمجتمعات التي لا تتوفر فيها حواضن مؤسسية للعمل العام يتجه الافراد الى الروابط التقليدية والبدائية ويفقدون مع الوقت صلتهم بالرابطة الوطنية ممثلة بالدولة ومؤسساتها ويتشكل شعور سلبي تجاه تلك المؤسسات وينظر اليها على انها مجرد جابي ضرائب يمد يده كل يوم في جيوب المواطنين.
كان الرهان على مشروع وطني لاصلاح العلاقة بين المجتمع والدولة يعيد الاعتبار لقيم المشاركة وفق احدث المفاهيم لاساليب ممارسة الحكم في البلدان الديمقراطية. غير ان هذا المشروع لم يكتب له النجاح في الاردن, وتحول مشروع الاصلاح الى مجرد ديكور بما فيه من احزاب وبرلمان ومؤسسات مجتمع مدني وحريات عامة. واللافت ان السنوات التي عدت عقدا للاصلاحات هي ذاتها التي شهدت اتساع فجوة الثقة بين الحكومات والرأي العام, وتراجعا ملحوظا في هيبة المؤسسات الوطنية لصالح الروابط التقليدية, وانكفاء الاغلبية من الناس عن العمل العام.
وتتجلى حالة الاستنكاف في مزاج شعبي مصاب بحالة من خيبة الامل لدرجة لم يعد معها يثق بالوعود والشعارات والبرامج ولا بصناديق الاقتراع. مزاج مسكون بالقلق لا بالأمل في المستقبل, ساخط من كل شيء حوله لا يرى غير الاخفاقات والاخطاء.
حالة الاستنكاف اخطر من مقاطعة الانتخابات, فالثانية قضية موسمية يتوقف الحديث عنها في اليوم التالي للانتخابات بينما "الاستنكاف" هو الخطر الماثل على المدي المنظور ما لم نشرع في مراجعة شاملة لمسيرتنا, لانتشال الناس من حالة اليأس وفقدان الثقة.
وما اخشاه ان الانتخابات المقبلة والتي اريد لها ان تكون خطوة على طريق الاصلاح والمراجعة ستتحول الى فصل من فصول الاستنكاف وتزيد الهوة اتساعا وتضيف للأزمة العامة عنواناً جديداً غاب لبضعة شهور وعاد على هيئته القديمة.
العرب اليوم