الإسلاميون يبحثون عن منبر لصوتهم خارج القبّة
شرع التيار الإسلامي واسع النفوذ في صياغة استراتيجية عمل لما بعد مقاطعة الانتخابات النيابية المقررة أواخر العام لضمان وصول صوته من خارج القبة عبر إعادة إحياء "جبهة الإصلاح الوطني" وصولا إلى وقف ما يسميه بالانهيار الاقتصادي, الاجتماعي والسياسي في البلاد.
هكذا إطار سياسي مؤسسي لن يكون بنفس درجة فعالية وتأثير تواجد الحزب المعارض الأكبر والأكثر تنظيما داخل الهيكلية السياسية في لعبة النفوذ والتأثير من خلال بوابة سلطة تمارس دورها التشريعي والرقابي خلال مدة انعقاد المجلس النيابي. لكنه قد يوفّر لهم منبرا بديلا ويفتح الباب للخروج من بوتقة لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة (يسارية, قومية وإسلاميون بزعامة دورية) بعد أن انقسمت أحزابها السبعة حول المشاركة في الانتخابات. ذلك أن الهيئة الجديدة مرشحة لاستقطاب أحزاب, كتل وتيارات سياسية وشخصيات وطنية مستقلة.
من الواضح اليوم أنه ما لم تحصل معجزة سياسية, لن يتراجع التيار الإسلامي عن قرار مقاطعة الانتخابات للمرة الثانية (الأولى موسم 1997) مذ قرر الأردن العودة إلى المسار الديمقراطي عام .1989 قرار المقاطعة قد يشكل خسارة في شعبية الإسلاميين وخسارة اكبر للحكومة وللوطن ولما تبقى من جهد مأسسة الإصلاح السياسي. كذلك يضرب مصداقية خطاب الدمقرطة أمام الخارج.
والآن بات من الصعب إيجاد تسوية تحفظ ماء وجه كل من الإسلاميين والحكومة, وتساعد الطرفين على الهبوط عن قمة الشجرة التي تسلقاها خلال الشهور الماضية ما لم تأت مبادرة مباشرة من صاحب القرار تؤجل الانتخابات أو تحث الاسلاميين, مثلا, على العدول عن قرار المقاطعة الذي أعلنوه قبل 45 يوما عقب مشاورات استمرت لأسابيع وركزت على استفتاء القواعد حيال خيارين: المشاركة أو المقاطعة.
خيار المقاطعة سيغذي مزيدا من التمترس في المواقف بطريقة غير مجدية للحكومة أو لجبهة العمل الإسلامي, الذراع السياسية للإخوان, التي ذاقت مر البقاء خارج المجلس في المرة الأولى (1997) مع أن الملك الراحل الحسين بن طلال حاول ثنيهم عن قرار المقاطعة.
لكن هذا الخيار قد يوفر لهم دعاية إعلامية مجانية كلما جرت تغطية أخبار "العرس الديمقراطي".
حكومة الرئيس سمير الرفاعي تتمسك بصعوبة, بل باستحالة إجراء أي تعديل على قانون الانتخاب الحالي أو تأجيل موعد الاستحقاق الدستوري بخلاف ما يطالب به الإسلاميون وبعض الأحزاب والشخصيات الوطنية.
التيار الإسلامي هو الآخر غارق في وحل صراعات داخلية على خلفية إقليمية ضيقة وصلت حدودا حرجة. وأي تغيير في الموقف قد يقسم الحركة ويفرز تيارات جديدة تعمل فوق وتحت السطح, بخاصة بعد أن صوتت القواعد في مصلحة مقاطعة الانتخابات.
تصر الحكومة على أنها أعطت أقصى ما عندها لثني الإخوان عن قرار المقاطعة. رهانها اليوم على شحذ همم الغالبية الصامتة للمشاركة في الانتخابات عبر سلسلة من الإجراءات تظهر حسن إدارة ونزاهة العملية بما فيها السماح لمنظمات أجنبية "مشاهدة" العملية الانتخابية, بعد شهور من التردد في الموافقة. ذلك سيساعد على تخفيف تأثير المقاطعة الإخوانية على صورة الأردن في الداخل والخارج, كما سيصب في تأكيد شرعية مجلس النواب المقبل.
الخطوات الحكومية الأخيرة لفكفكة الأزمات الداخلية, بما فيها الموافقة على الحوار مع الإسلاميين, تعديل قانون الجرائم الالكترونية وإعادة المعلمين المفصولين, نالت رضا الدول الغربية المانحة التي تقدر وعود الحكومة بضمان شفافية الإجراءات المصاحبة للاقتراع. لذا, لم تعد تلك الدول تتفهم كثيرا دوافع رفض الإسلاميين لفرصة ذهبية تفتح الباب أمامهم لدخول المجلس والتأثير في السياسات, سيما أن منظمات خارجية وداخلية ستراقب الانتخابات.
الحكومة لن تجد مطبات في المسرب النيابي.
فالرفاعي أو من يخلفه بعد الانتخابات إن لم يمدد له, لن يجد أي معارضة منظمة داخل المجلس على"أسس المشاركة لا المغالبة" ما سيحرم الحكومة المقبلة من غطاء شعبي يفترض أن تتكئ عليه وتستمد منه القدرة على المناورة بفعالية عالية في حال فرضت تسويات سياسية على المنطقة ضمن خطط طي ملف القضية الفلسطينية أو أي تحديات أخرى قد تواجه البلاد. الحكومة تدفع اليوم ثمن سياساتها "الإقصائية" التي تجلّت بإقرار قانون الانتخاب المؤقت وفرضه على الجميع دون مناقشته مع الطيف السياسي والمجتمع المدني للبلاد.
خسارة الإسلاميين لن تكون أقل. فهم لن يستطيعوا كبح جماح أو تعطيل أي قانون أو سياسة لا يرضون عنها لأن المعارضة الأقوى ليست في الشارع أو المسجد, إنما في مجلس النواب, بخاصة إذا تشكّلت مستقبلا حكومات مدعومة من تكتلات أساسية في مجلس النواب مكان الآلية الحالية البالية التي غدت عبئا على النظام والوطن.
في تهديد مبطن الأسبوع الماضي لمن يرفض المشاركة في الاقتراع, شدّد الرفاعي على أن التأثير على صناعة القرار وتعديل القوانين بما فيها قانون الانتخابات التشريعية يتم من خلال الأطر الدستورية, أي المجلس النيابي.
جميل أبو بكر, الناطق الرسمي باسم الجماعة يؤكد أن قرار المقاطعة كان مؤسسيا, بدعم القواعد, بدأت دراسته يوم 1/6/2010 آخذين بالاعتبار محاذير التغيب عن السلطة التشريعية عن البرلمان.
وفي مقابلة مع كاتبة المقال, يقول أبو بكر:"قرار المقاطعة لم يتخذ لتحقيق شعبية (في الشارع) بخاصة أن غياب الحركة عن المجلس النيابي سيخلف خسائر لها. ولن تتمكن من معارضة التشريعات وتحقيق حضور مؤثر. لكن الهاجس الرئيس كان محاولة وقف حالة التدهور التي تعاني منها البلاد على كل الأصعدة ودق جرس إنذار بصوت عال يسمعه الجميع, بمن فيهم المسؤولون, كي يراجعوا سياساتهم".
الخسارة أكبر إذا ما اخذ بالاعتبار أن القانون الجديد, "الصوت الواحد في الدائرة الواحدة (الوهمية) لمقعد واحد مكان نظام الصوت الواحد المجزوء" كان سيصب لمصلحتهم بسبب تنظيمهم. إذ كانت توقعات تشير إلى إمكانية فوزهم ب¯ 12 إلى 22 مقعدا في حال جرت انتخابات حرة, نزيهة وعادلة كما طلب الملك من الحكومة في مسعى لإعادة الثقة وترميم هيبة الدولة التي ضربت صدقيتها الانتخابات الأخيرة بسبب ممارسات تزوير واسعة, استهدفت تفصيل مجلس نواب على المقاس الأمني والسياسي.
وقد يترشح أعضاء في الجماعة او الحزب بصفتهم الشخصية, وبالاعتماد على ثقلهم العشائري أو حضورهم المناطقي كما حصل في الانتخابات الأخيرة.
أبو بكر يؤكد أن من يترشح بدون قرار مركزي يشكل "اختراقا" لإجماع الجماعة.
التيار الإسلامي وحليفه الوحدة الشعبية ينشطان هذه الأيام لتفعيل قرار المقاطعة على المستوى الشعبي, من خلال لجان تعمل على مستوى المحافظات, حسبما يقول أبو بكر, الذي كان بين أربع شخصيات إسلامية التقت الرفاعي قبل ثمانية أيام.
ويتابع قائلا" نحن بصدد وضع برنامج عمل لما بعد المقاطعة يتم التفاهم عليه مع مختلف التيارات والأحزاب والشخصيات الوطنية التي سيكون لها وجود, إذ أن هناك قضايا كثيرة مفصلية تهم الوطن ولا بد من الوقوف معها. ولا بد من وصول صوت الحزب المعارض الأكبر حيال القضايا والتهديدات الداخلية والخارجية حتى ولو كنا خارج البرلمان".
أما السلطة التنفيذية فستتعايش مع مجلس نيابي لن يخدمها سواء كان مطواعا كما كان الحال عليه في بدايات المجلس الخامس عشر قبل أن تنقلب الآية عقب إزاحة الغطاء الأمني, أو متمردا, وذلك في غياب كتل سياسية مؤثرة وجماعات ضغط تساعد في بناء توافق وطني للتعامل مع المرحلة الحرجة التي تمر بها المملكة.
وستفتقر المعادلة السياسية الداخلية للتوازنات المطلوبة - لا سيما أن الأخوان المسلمين, بعكس أقرانهم في سورية ومصر, كانوا دائما جزءا من الحراك السياسي الداخلي ضمن خيوط تحالف نسجوها مع النظام طوال عقود قبل أن تنقلب الموازين عقب معاهدة السلام (1994) ثم افتراق الأجندات عام 1999 وما تبع ذلك من عملية منهجية لكسر شوكتهم في انتخابات 2007 في ظل صعود نجم الإسلام السياسي في فلسطين وسائر المنطقة.
تقليديا وفر الإسلاميون توازنا مع القوى العشائرية. وسجل لهم أنهم لم يحركوا الشارع في غالبية حركات الاحتجاج المجتمعي منذ "هبّة معان" عام 1988 ولم يصلوا إلى مرحلة الطلاق حتى بعد ميلاد معاهدة السلام التي أقرها مجلس نيابي كانوا جزءا من تركيبته. فلطالما وجدت الحكومات السابقة طرقا للتفاهم معهم عبر إتباع سياسة الجزرة والعصا والالتقاء معهم بصورة دورية.
ملامح مجلس النواب القادم واضحة, كيفما نظرنا إليه. فهو لن يكون ذلك الذي يضع لبنات لمأسسة عملية الإصلاح السياسي المطلوب لبناء دولة عصرية قائمة على أسس المواطنة, سيادة القانون, والحاكمية الرشيدة. وسيكون من الصعوبة السيطرة على غالبية أعضائه على ضوء قرار الحكومة بوقف المزايا والأعطيات وإقرار مدونة سلوكية تحدد العلاقات بين السلطتين.
في الاثناء, يؤمل أن تراجع الحكومة والجماعة موقفيهما المتصلبين ويتحملان مسؤولية السياسات التي أوصلتهما إلى نفق مسدود بعد سنوات من شبه القطيعة وشهور من "التعبئة المضادة, تخندق المواقف و"شيطنة الآخر".
صحيح أن حوار ربع الساعة الأخير فشل قبل أسبوع في تطرية مواقف الطرفين. لكنه قد يساهم في إبقاء باب التواصل مفتوحا وترطيب الأجواء عشية الانتخابات التي يحضر لها وسط أجواء باهتة على وقع تنامي عدوى مقاطعة الانتخابات بسبب تراجع الثقة بإمكانية التغيير وبجدية خطاب التحديث والتغيير.
أبو بكر يصف اللقاء مع الرفاعي بأنه "كان ايجابيا ووديا; لم نختلف مع الحكومة في تشخيص التحديات. لكن التعامل معها يتم عبر إشراك مختلف القوى في عملية المراجعة وليس من خلال التبعية والذيلية".
لكن رغم هذه اللغة الدبلوماسية, لا يبدو أن الإسلاميين أو الحكومة سينزلون عن الشجرة قبل شهر ونصف على موعد الانتخابات.
العرب اليوم