الأصل الدستوري: الحكومة من مجلس النواب
في كل الدساتير والقوانين والأنظمة، ممارسات خاطئة، لا تعني أن الخطأ في النص، بقدر ما هو في التطبيق.
فلا يوجد، على سبيل المثال، قانون ينص على تزوير الانتخابات، بل كل القوانين تؤكد على النزاهة، لكن في الممارسة يحدث التزوير.وفي الأردن، ينص الدستور على أن نظام الحكم نيابي ملكي.
وهذا يعني، بناء على تجارب البشر، أننا لسنا نظاما رئاسيا كالولايات المتحدة، بل نظام نيابي كبريطانيا.
ومقولة فصل السلطات في الولايات المتحدة تعني أن الرئيس وحكومته مستقلان عن الكونغرس، وهو لا يمنحهما الثقة، بل يضغط عليهما من خلال قانون الموازنة.
لا نعيد اكتشاف العجلة في الأردن؛ الدستور الأردني اعتمد بالأساس على الدستور المصري الملكي الذي اعتمد على الدستور البلجيكي في صياغته.
والدستور البلجيكي في الأساس هو توثيق لتقاليد أقدم الديمقراطيات في بريطانيا التي لم تكتب دستورا.
وفي بريطانيا، رئيس الوزراء هو رئيس نائب ورئيس حزب الأكثرية.
وفي بريطانيا وبلجيكا، كما مصر الملكية، لم يكن يقال نائب مستوزر؛ فالأصل أن النائب يطلب الحكم، وهو مراقب من السلطة التشريعية، سواء وزراء الظل من المعارضة أم من نواب حزبه أم الأحزاب الأخرى، وقبل ذلك الرأي العام.
في التجربة الأردنية، شكل الحزب الوطني الاشتراكي الحكومة برئاسة سليمان النابلسي، مع أنه خسر الانتخابات النيابية، لكنه كان يرأس حزب الأكثرية، وضمت حكومته نوابا.
وفي التجربة الديمقراطية الثانية منذ العام 1989، شكلت الحكومات اعتمادا على النواب؛ في حكومة مضر بدران كان الوزراء الأساسيون نوابا، وطاهر المصري شكل الحكومة وهو نائب.
وعبدالله النسور ظل وزيرا في أكثر من حكومة وهو نائب، وعبدالكريم الكباريتي دخل الوزراة من بوابة النيابة، وصار رئيسا للوزراء وهو نائب.
ومنذ العام 1989، كان أكثرية رؤساء الحكومات نوابا (طاهر المصري، عبدالكريم الكباريتي، عبدالرؤوف الروابدة، علي أبو الراغب).
الأصل أن يكون رئيس الوزراء والوزراء نوابا، أو من أحزاب النواب.
وحكومات العالم الديمقراطية هي حكومات حزبية سياسية، وحكاية حكومات التكنوقراط تكاد تكون اختراعا عربيا.
بل يستعين الحزب الحاكم بخبراء ويضمهم إلى حزبه ويوزرهم؛ أي يسيسون ولا يبقون في دائرة الخبرة العلمية.
ففي تركيا مثلا، فإن صانع النهضة الاقتصادية والمرشح لخلافة رجب طيب أردوغان، الوزير علي باباجان، لم يكن حزبيا، لكنه تسيس وتحزب بدخوله الحكومة.
ومن علامات قوة الحزب أن يستقطب الكفاءات والخبراء.
يمكن أن يقال عندنا إن الظروف لم تنضج لتكون الحكومة من مجلس النواب، وأن النواب يتوسمون الخير في حكومة من خارجهم، بدون الافتئات على الدستور والقول بالفصل بين النيابة والوزارة؛ فهذا اختراع لم يسبقنا إليه أحد في العالمين، إلا الأنظمة الرئاسية، وتلك لا علاقة لها بالدستور الأردني.
في التجربة، لم يفسد النواب الحكومات، بل العكس؛ تردي أداء النواب وانهيار الثقة فيهم كان بعد العام 1993، عندما اغتصبت الحكومة حق التشريع وحلت مجلس النواب وأقرت قانون الصوت الواحد.
بعدها بدأت مرحلة النائب الخدمي الذي يستجدي الخدمات من الحكومة مقابل منحها الثقة، وصولا إلى مراحل التدخل المباشر في الانتخابات.
وفساد تلك التجربة لا يعني تجاوز نصوص الدستور، بل معالجة الفساد.
وبالتدقيق، نجد أن الظاهرة الأسوأ كانت الوزراء المستنوبين، لا النواب المستوزرين.
فالنائب الذي يستند إلى قاعدة شعبية لا يحتاج إلى رشوة الناخب بخدمات صغيرة، والسياسي الذي يعين وزيرا يصنع قاعدة انتخابية من خلال خدمات صغيرة.
وبالنتيجة، في كل انتخابات وتشكيل حكومة نشعر أننا نعيد اكتشاف العجلة.
الغد