الأزمة هناك

الأزمة هناك
الرابط المختصر

الذين زحفوا إلى الرابية يوم الخميس، مطالبين بإغلاق السفارة الإسرائيلية ليسوا سذجا حد الاعتقاد بأن مظاهرة أو اعتصاما أو تجمعا شعبيا يستطيع إغلاق السفارة إلى الأبد، لذلك لا تفاجئهم ولا تفاجئنا عودة سفير إسرائيل إلى عمان، وربما لا تفاجئهم أيضا وقاحة تصريحاته التي تعبر عن غطرسة صهيونية مألوفة، وتدخل مرفوض في شؤوننا الداخلية، نأمل بأن يتم الرد عليه رسميا.

لكن، وبغض النظر عن التصريحات وردود الفعل الإسرائيلية، فإن الرسالة التي وصلت إلى تل أبيب كانت واضحة ومختصرة وأكدت أن التطبيع مجرد وهم، وأن الموقف النقيض لكل ما تمثله إسرائيل يجسد إجماعا شعبيا أردنيا لم تضعفه سبعة عشر عاما من "وادي عربة"، مثلما لم تستطع اثنان وثلاثون عاما من "كامب ديفيد" إضعاف الإجماع الشعبي المصري الكاره لدولة الاحتلال والمعارض لأي علاقة معها. لقد هدم المصريون جدار السفارة في ليلة واحدة، وعجزت إسرائيل خلال ثلاثة عقود من السلام الموهوم عن اختراق الجدار النفسي والتاريخي الذي يحرمها من التطبيع والتعايش مع المحروسة بحب أهلها الطيبين. 

لا فرق بين عمان والقاهرة. لا تطبيع ممكن هناك ولا اختراق ممكن هنا. هذا ما يؤزم قادة إسرائيل ويدفعهم للتهديد والتصعيد الإعلامي الذي تابعناه منذ فترة طوية، وبلغ ذروته في الأيام الثلاثة الماضية التي شهدت حملة تحريض مركزة ضد الأردن، شعبا وقيادة.

بالطبع، لسنا معنيين كثيرا بما يقوله ويكتبه الإسرائيليون عن واقعنا، فنحن الذين نصنع هذا الواقع ونعيشه، ولم يكن النموذج الإسرائيلي في أي وقت يمثل لنا أكثر من محاولة بائسة لمنح العصابة شرعية الدولة.

الزحف نحو السفارة لا يعني وجود أزمة لدينا، كما أن الحراك الشعبي السلمي المطالب بالإصلاح، والذي يعبر عن نفسه بأرقى الأشكال الحضارية في الممارسة الديمقراطية، يؤكد أن بلدنا بخير وأن الأردنيين قادرون على تقديم النموذج الإيجابي للإصلاح والتطوير في المنطقة، ولا يحتاجون إلى خبرات إصلاحية من الذين يغتالون حق الإنسان في الحياة.

الأزمة قائمة في إسرائيل، فهي التي يطرد سفيرها من أنقرة، ويهرب سفيرها بحماية الشرطة من القاهرة، ويتسلل سفيرها في عتمة الليل من عمان إلى تل أبيب. وهي التي تفقد فرصة اعتراف العالمين العربي والإسلامي، وتختار البقاء في العزلة التي تطبق عليها من كل الجهات، والحصار الذي لا ينكسر إلا جوا في الطريق إلى واشنطن.

نعرف أن نفرا قليلا من المطبعين موجودون بيننا، ونعرف أن أشخاصا موصومين بما لا يليق بالعربي يقبلون على أنفسهم صداقة إسرائيل وسفارتها، ويشاركون في مناسباتها "الاحتفالية"، ويبيعون لها ويشترون منها، لكن هؤلاء لا يمثلون أحدا، ولا يشكلون شريحة في مجتمعنا، ويظلون أفرادا معزولين مكروهين حتى في بيوتهم.

ربما حان الوقت لأن يعيد الإسرائيليون النظر في مسارهم، وأن يقرأوا المشهد العربي بعيون وعقول مفتوحة ليدركوا أن التاريخ لا يتوقف عند لحظة محددة، وأن زمن حكم البرتغال وهولندا لثلث القارة الأفريقية قد ولّى.

يستطيع الإسرائيليون أن يسائلوا كل التفاصيل وأن يستجوبوا كل المتغيرات، لكن عليهم أن يعرفوا أن بلدنا ليس، ولا يمكن أن يكون لقمة سائغة لأحد، وعليهم أن يعرفوا أن الأردنيين والعرب جميعا لديهم بوصلة لا تخطئ القدس.

الغد

أضف تعليقك