الأردن وداعش
لعل الأردن من أكثر الدول وضوحاً في محاربته للفكر التكفيري والإرهاب على كافة الصعد، ولم يتردد الأردن في أن يكون مساهماً في أي جهد دولي أو إقليمي لمحاربة الإرهاب، وكان هذا قبل أن ندفع ثمناً لإنتشار الإرهاب في تفجيرات عمان التي كان الأبرياء ضحيتها.
اليوم هنالك حكاية داعش، وبشكل مواز هنالك أحداث العراق التي تقول جهات عراقية عديدة أنها إنتفاضة عشائر العراق ضد حكومة المالكي، إنتفاضة قوتها العسكرية من أبناء العشائر وضباط جيش سابقين وقوى عديدة، وهؤلاء يعلنون براءتهم من داعش ويرونها تنظيماً إرهابياً.
وفي المشهد أيضاً إنسحاب كبير لقوات الجيش العراقي ليس من عدد من المدن بل أيضاً من مناطق الحدود مع الأردن وسوريا، أي أن النقاط الحدودية بلا أي وجود رسمي، ومن يستولي عليها لا يحتاج لأي جهد فهي فارغة، وربما يكون المقصود أن يتم الإنسحاب والإعلان بأن داعش وصلت الحدود.
وفي داخل الأردن هنالك قلق من تهديد أمني وعسكري عززه لدى البعض التصريحات والخرائط التي أصدرتها داعش وهي خريطة لعدد من الدول، وكأن داعش دولة عظمى تطلق التهديدات بإحتلال الدول، لكن هذا القلق لا يرتقي إلى حدود ما يعتقد البعض من أنه قلق على وجود الدولة، أو ما تقوله داعش من دخول إلى الأردن وغيره، بل قلق حدوده العبث الأمني أو التهديد الذي يصاحب كل اضطراب في دول الجوار.
واذا عدنا للمشهد العام فإن تضاريسه ما يلي :-
1. إن الأردن لا يتدخل في شؤون دول الجوار لكنه يملك المعلومة الكاملة والمتابعة لما يجري حوله بكل دقه.
2. إن ما يجري في العراق ليس عنوانه نفوذ قوي لداعش بل هنالك تداعيات في علاقة الحكومة العراقية مع قوى عشائرية واجتماعية، ولهذا تعلن هذه العشائر أنها تثور على حكومة بغداد، وهذه العشائر تعلن أيضاً عداءها لداعش، وهذا يعني أن ما يجري في العراق لا يشكل تهديداً مباشراً للأردن، وإن كان يزيد من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
3. وإذا كانت داعش اليوم في سوريا تحارب وتقاتل الجيش الحر وجبهة النصرة، ويعتبرها البعض إمتداداً للنظام السوري، فهل ما تقوم به داعش في العراق يخدم إنتفاضة العشائر على المالكي أم يخدم المالكي وحكومته وحلفاءه ؟!
وهل داعش تنظيم عقائدي تكفيري أم حالة عسكرية لها صورة مرعبة من حيث الإعدامات والتعامل المرعب مع الناس وتحمل شكليات التطرف لكنها تعمل ضمن معادلات المصالح ( والبزنس الاقليمي ) وتحالفات مع دول ؟!
4. أما نحن في الأردن فأعتقد أن الدولة من خلال مؤسساتها تدرك الصورة الحقيقية للمشهد وتتعامل بمسارين: الأول عسكري يتعلق بالحدود وضبطها من خلال القوات المسلحة وهو عبء كبير يضاف إلى عبء ضبط الحدود مع سوريا، والمسار الثاني أمني ويتعلق بإستمرار الحالة الامنه في الأردن، وكلا المسارين يتعامل بالحجم الحقيقي لآثار ما يجري في العراق، وحقيقة ما يجري، ولدى الدولة ثقة بالنفس وبالمؤسسات الأمنية والعسكرية.
5. وحتى ما تعامل معه الإعلام بإهتمام من مسيرة تعلن دعم داعش، فالقضية حجمها الحقيقي معلوم، ودوافع الحكاية واضحة وهي مختلفة عن الصورة الإعلامية.
بقي القول أن هناك الفرق بين التحدي الأمني والعسكري، وأن التعامل بحذر ووعي موجود ونتيجة تتابع الأزمات في الإقليم، لكن الاردن دولة صاحبة تجربة كبيرة قي حماية نفسها بأدوات سياسية وعسكرية وأمنية، والمهم الثقة بالنفس والتعامل مع المضمون الحقيقي للأحداث.
الرأي