الأردن والثورة السورية: هل تنضم عمان للأصوات المطالبة بتنحي الأسد?
لا يملك الأردن الرسمي إمكانية تصعيد خطابه السياسي ضد ممارسات الرئيس السوري بشار الأسد وأجهزة نظامه الأمني الوحشية بإشراف شقيقه ماهر في مواجهة خليط من المتظاهرين قرروا أنهم "لن يركعوا إلا لله" بعد مرور ستة أشهر على اندلاع ثورة طالبت أولا بإصلاحات شاملة قبل إصرارها على تغيير النظام.
فالمؤسسة الرسمية هنا لمّا تغسل يديها بعد من رئيس جارتها الشمالية لكي تتخذ موقف حد أدنى يعكس نفاد صبرها حيال النظام السوري- بخلاف حليفتها أمريكا, دول أوروبية وعربية سبقتها في تكثيف التنسيق مع تركيا لمحاصرة النظام وترحيله عبر تضييق الخناق الاقتصادي واالسياسي حوله, في إطار حملة مبرمجة تفاقم قلق إيران, حليفة سورية التقليدية ورهانها الأخير.
فما يزال لدى عمان بصيص من الأمل بوقوع مفاجآت في ربع الساعة الأخير قد تساعد الرئيس الشاب في النزول عن الشجرة التي تسّلقها على فوهة المدفع, يما يضمن بقاء نظام "معروف بحسناته وسيئاته" مع تعديلات تساعد على مواصلة توفير عنصر استقرار لدولة مجاورة كالأردن, ولمنطقة تغيّرت فيها موازين القوة بعد الإطاحة بالمتضادين صدام حسين وحسني مبارك, الذي قاد ما كان يعرف بمحور الاعتدال العربي المطاوع لأمريكا والغرب قبل انهياره. هذا الموقف لا يعني بالتأكيد أن ممارسات النظام القمعية ومحاصرة المدن والمساجد وتشريد السكان تروق لصانع القرار الأردني, حال غالبية شعبه. وكذا أيضا استمرار المراوحة في تنفيذ وعود الإصلاحات السياسية وبقاء الجيش في الشوارع.
إزاحة نظام الأسد المتحالف مع إيران سيفتح الباب أمام حرب أهلية ويشيع فوضى في دولة متعددة الأعراق والقوميات والأديان, ما سيلقي بظلاله على المملكة, بخاصة في حال صعود الإسلاميين إلى الحكم هناك وتشجع حلفاؤهم في عمان ببدء المطالبة بتغيير النظام هنا, على إيقاع فتل عضلات الحركة الأم في القاهرة.
لكن قد تحدث معجزة يستدرك الأسد من خلالها أخطاء نظامه وخطاياه, ويدرك خطورة المواقف الدولية على نحو مختلف ليقرر أن مفتاح بقائه في السلطة يكمن في خلطة صفقات وتنازلات, بما فيها التخلي عن الورقة الإيرانية ولعب الورقة الفلسطينية-الإسرائيلية. فالأسد قادر على الجنوح صوب السلم عبر إصلاحات حقيقية للبقاء في السلطة أو السقوط في خيار الحرب.
من منظور أردني, يبقى استقرار سورية ونظامها خطا أحمر, بحسب تصريحات وزير الخارجية ناصر جودة.
إيران لن تترك نظام الأسد يتهاوى. وستعمل المستحيل لدعمه لأنه حجر الرحى في محور ما يعرف بالممانعة. وبإمكان الأسد في حال استشعر أن نهاية نظامه قريبة أن يلجأ للعب ورقة لبنان, واستدراج حرب إسرائيلية من بوّابة حزب الله, من أجل إعادة خلط الأوراق في منطقة تتنافس على زعامتها دول ومحاور من إيران إلى تركيا ثم أمريكا وإسرائيل.
لذا, من غير المرجح أن يعتمد الأردن إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية حيال سورية تعكس إدراكه للمتغيرات الدولية والإقليمية, إلا في حالة صدور قرار عن مجلس الأمن بفرض عقوبات, وهو احتمال ما يزال مستبعدا في ظل الموقفين الروسي والصيني. وقد تتحرك عمان في حال صعّدت واشنطن وعواصم الخليج وأنقره لهجتها لبناء جبهة دولية تجبر الرئيس على الرحيل.
في الأثناء, ستواصل عمان- المنشغلة بإصلاحات تدريجية وبمعركة لإنقاذ اقتصادها- في شراء الوقت والتزام أكبر قدر من الصمت لحين تحرك التكتلات الدولية والعربية لفرض نمط جديد من التحرك.
يسير الأردن اليوم على حبل مشدود تحاشيا لإغضاب حلفائه الرئيسيين. فواشنطن, التي توفر دعما سياسيا واقتصاديا حيويا, تطالب الدول الصديقة لسورية بالتخلي عن نظام الأسد بعد ان رفعت يديها عنه, وباتت لا تمانع في التعاطي مع صعود الإسلاميين إلى الحكم في العالم العربي.
كما أن الأردن لا يستطيع إغضاب دول الخليج. فهو ينتظر فتح بوابة مجلس التعاون الخليجي أمامه لتبادل منافع سياسية وأمنية مع توفير دعم مالي لخزينته المثقلة بالديون. وقد يكون أحد الخيارات اللاحقة تقليد قطر, السعودية, الكويت, والإمارات العربية المتحدة في تصعيد الانتقادات وسحب السفراء للتشاور.
طوال الأشهر الماضية, عمل الأردن بعيدا عن الأضواء من خلال اتصالات ناشطة لدعم الأسد, لعله يفلح في تبديد الأزمة عبر سلسلة إصلاحات يعلن عنها تباعا لتأكيد رغبته في البقاء. تضمن ذلك منع الصحافيين الأجانب من الوصول إلى الحدود المشتركة لإجراء مقابلات مع اللاجئين السوريين, تشديد إجراءات التفتيش لمنع أي قوى من إرسال أسلحة للثوار والطلب من الإخوان المسلمين السوريين عدم الانخراط في أنشطة سياسية أو إعلامية ضد الأسد. اعتمد في هذه النصائح على متانة العلاقة مع إسلاميي سورية الذين احتموا في أراضيه عقب هروبهم من مجازر حماة قبل ثلاثة عقود.
لكن منطق المجازر المفضوحة على فضاءات الانترنت الآن يحرج صناع القرار في الأردن ويصعّب إدامة شعار الصمت.
قبل أيام, وصل الخطاب الرسمي حدّه الأقصى, عندما نفت الحكومة وجود أي نية لاستدعاء السفير الأردني من دمشق. واكتفت بالإشارة على استحياء إلى أن "الأردن يراقب بقلق شديد الأحداث الدائرة في سورية", معربة عن الأمل في وقف نزيف الدم وتغليب لغة الحوار.
صعوبة وضع الأردن الجيو-سياسي يفرض على صانع القرار أن يعد للمليون لدى تغيير إستراتيجية التعامل مع تداعيات الانهيار الدراماتيكي للأوضاع في سورية.
في البال تجربة الأردن السيئة مع تطبيق عقوبات اقتصادية على نظام صدام حسين بين 1991 وحتى الإطاحة به عام ,2003 لا سيما أن بغداد كانت توفر العمق الاستراتيجي لعمان وتشكل موردها الرئيسي للنفط وسوقا لصادراتها, فضلا عن الدعم الشعبي الجارف آنذاك لنظام صدام رافع شعار مقاومة أمريكا وإسرائيل.
وهناك حسبة الرأي العام الأردني تجاه الثورة السورية. الحراك هنا يتصاعد حيال الانتفاضة السورية التي أحدثت انقسامات بين النخب السياسية والحزبية والإعلام, بخلاف مواقف هذه التجمعات الموحدة في تشجيع الثورات التي ضربت تونس, مصر, البحرين واليمن و ليبيا, حيث يساند الأردن جهود حلف الناتو العسكري ضد نظام القذافي.
ومع إطالة أمد ثورة سورية من دون حسم, يرجّح تعميق الانقسام حدة وتوترا بين مؤيدي الثورة وأنصار "نظام الممانعة" في الساحة الأردنية, وعلى وقع إسناد عملي من السفارة السورية هنا والتي تنشط في تنظيم اجتماعات وزيارات إلى دمشق تضامنا مع النظام في وجه ما تصفه الرواية الرسمية ب¯ "عصابات الإرهاب" و"المؤامرة الامبريالية".
سورية تبقي نقطة عبور رئيسية لحركة الترانزيت بين أوروبا عبر بوابة تركيا والخليج. وتعتمد عمان على ميناء طرطوس لاستيراد الحديد والخشب, كما يتابع أزيد من 3.000 طالب وطالبة دراساتهم في الجامعات السورية. وباستطاعة الأجهزة الرسمية السورية خلق تحديات أمنية داخلية. والشواهد كثيرة في السابق.
المستقبل غدا مفتوحا على احتمالات مختلفة, بما فيها تدويل الأزمة السورية والمطالبة بنبذ النظام وغيرها من خيارات الفوضى التي لا يريدها الأردن أبدا.
فأعمال العنف وصلت اليوم إلى مستوى يجعل من الصعب على أي طرف قريب أو بعيد أن يظل صامتا. فالأسد يتحمل مسؤولية دفع سورية في اتجاهين: الحكمة أو الفوضى التي قد تفضي إلى إشعال حرب أهلية في الإقليم.
اليوم تنتظر واشنطن نتائج مبادرة أنقرة التي منحت الأسد مهلة 10 إلى 15 يوما لتنفيذ إصلاحات محددة ووقف العنف, لأنها بحاجة لتعاون تركيا في قيادة أي جهد دولي ضد سورية بما أن هذه الدولة الجارة العائدة بقوة إلى المحيط العربي تمتلك مفاتيح أساسية على جبهتي العقوبات والتأثير على النخب العسكرية والأمنية. لكن المؤشرات السورية غير مشجعة منذ زيارة وزير خارجية تركيا إلى دمشق.
أما أجواء واشنطن فتدل على أنها حسمت أمرها لجهة الإعلان عن المطالبة بتنحي الرئيس, لعدة أسباب منها الضغوط التي يمارسها الكونغرس في الداخل, والمواقف الإقليمية والدولية التي تلتقي في رفض ما يجري واعتبار الأسد عنصر عدم استقرار في سورية.
منذ أسبوعين, وضع مجلس الأمن سورية تحت مجهره. قبل أيام تحركت السعودية بشكل مفاجئ, وشجعت غالبية عواصم الخليج على كسر حاجز الصمت. تبع ذلك بيان عن أمين عام جامعة الدول العربية.
العد العكسي بدأ بلهجة تصاعدية للمطالبة بتنحي الأسد ومحاكمة المسؤولين عن جرائم حرب ترتكب في سورية. فهل يسترشد الرئيس الشاب بهذه اللغة أو يظل فوق الشجرة يعاند التاريخ ومنطق الأحداث من دون أن يرى أبعد من أنفه?
العرب اليوم