الأردنيون والانتصار السوري!؟
لا لمجرد البحث اللحظي عن النصر، أو الشعور بالزهو فقط، بل ثمة غرائب ورغائب تحكم السلوك الجماهيري الأردني في بحثه عن نصر حتى ولو كان موهوماً، أو ذا كلفة عالية ثمنها الحرث والنسل، وهذا ما تقدمه الحالة السورية.
وثمة طرفان متقابلان متضادان على الأرض الأردنية، كلٌ يرى أن المعركة معركته، وكلٌ يريد تسجيل الموقف والثبات على المبدأ في دعم من يراه صاحب الحق، والخاسر الوحيد هو دمشق، والجريح الأكبر هو العروبة، التي انهارت أمام غواية الانتصار المزعوم والتحرير الذي يريده كل طرف.
دمشق كانت نقطة التأسيس لمشروعنا العربي منذ دولة فيصل بن الحسين، وفيها رفع أول علم للحكومة العربية، وهي اليوم تقسم العرب إلى عربين، عرب يرونها تخوض معركة المصير والحفاظ على المقاومة، وآخرين يرونها نهاية الاستبداد، وفتحا ديمقراطيا جديدا.
ونحن هنا ننتظر، فالنصر آت، والعباءات ترسل إلى الشام مؤيدة، والمسيرات تخرج مناهضة، وتتوالى البيانات المنددة والكاشفة، وسفير دمشق تحول إلى سفير لبشار، إنه مشهد مبكٍ، لكنه الواقع يقول: أن حول بشار رجالا راهن الكثير على أنهم سيهزمون وأنهم سيتركونه وحده، وكذلك كان الرهان على أن الثوار لن يصمدوا لكنهم صمدوا برغم أن السلاح لم يأت كما طلبوا بعد.
قوتان على الأرض في سوريا، لكل منهما مؤيده، والخاسر وحده الناس والتاريخ، تاريخ الشام وحلب وحمص، والرابح هو إيران حتى الآن، فلم تعد معركتها مستترة، والمعارضة التي قيل أنها معارضة فنادق، لم تتوحد على موقف نهائي بعد، لكنها مستمرة في الصمود أيضا، وفرضت على النظام الذي كان يراهن مجموعات خارجة على القانون بأن يقبل بالتفاوض معهم.
معركة الشام صارت جزءا من تفكيرنا وعيشنا، والأثر الذي قيل أنه مرّ على الأردن مثله، لم يعد يُحتمل، والمقارنة بين أزمات سابقة وأزمة راهنة لم يعد ممكنا، هنا تقفز الأسئلة المشروعة لكل مواطن أردني، وليس في الأفق إلا البيانات وزيارات المناضلين لقصر الشعب في دمشق وصورهم مع رجل الشام وحامي عروبتها كما يرونه.
في هكذا حال، ستستمر البيانات المنددة والمؤيدة، تكشف عن خبايا الروح المنكسرة والطموح، وعن نوايا مستترة وهاديا الرئيس لضيوفه من زجاجات دم المناضلين كما يقول خصومه، أما صورته وخلف لوحة حطين متمثلا أنه صلاح الدين، فتلك نازلة كبرى، ولدى الطرف الآخر صور بشعة لا تقل دموية، عن آكل الكبود، وعن تفجيرات وأعمال نهب، مما يثبت أن الرشد غائب وان المعركة ليست كما نراها.
كانت دمشق، أوضح صفحة في كتاب العروبة، لكنها ما لبثت أن انكسرت، فخانت نفسها أولا وفيصل بن الحسين ثانيا، وأبت إلا أن تستكثر على عمان أن تتصدر الحرية والعروبة، وهي اليوم تتهمها بأنها تخرج عن الحياد في أزمتها التي كانت من صنع يدها.
عمان تظل عروبية، والأردنيون لن يفكروا في الشام، بدون هواجس الحرص على وحدتها، فهم إن أيدوا بشار إنما يخشون من إعادة التقسيم الذي قرره هنري غورو في 31 آب عام 1920 يوم اوجد دولة لبنان ثم فتتت سوريا في عهد سلطة الحكام والمفوضين الساميين الفرنسيين لاحقاً إلى حكومات ست بدول مستقلة وهي دولة دمشق (1920) ودولة حلب (1920) ودولة العلويين (1920) ودولة لبنان الكبير (1920) ودولة جبل الدروز (1921).
ذلك أقصى ما يريده الغرب، وما يخيف الأردنيين، الذين لا يحب كلهم بشار، بل يحبون الشام أكثر.
الدستور