أمس، ادركت ان العنف الاجتماعي وصل الى العصب وان ما فعلناه بأنفسنا وابنائنا حان وقت سداده، وها نحن فعلا نحصد ما زرعنا، لكن بدل ان نلوم هؤلاء الشباب الصغار الذين انتفخت اعصابهم ونفد صبرهم وضاقت صدورهم يجب ان نلوم هذا المجتمع الذي افرزهم، ان كانوا طلاباً صغاراً نلوم مدارسنا التي نشأوا فيها، أو شباباً نلوم جامعاتنا التي عجزت عن احتضانهم، او كباراً نلوم مناخاتنا العامة، وتشريعاتنا ومنظومة قيمنا وتقاليدنا التي ساهمت في اعوجاج فطرتهم السليمة، واخرجتهم عن سكة الشعور بالرضا والسماحة والعفو والاحترام المتبادل الى سكة العنف واللطم والضرب بالعصي.. وربما الاسلحة ايضا.
لم اكن اتصور ان يصل العنف الطلابي الى مدارسنا وجامعاتنا لهذه الصورة التي تعكس اسوأ ما انتجناه في ميادين التربية والتعليم، وحين سألت نفسي عما اذا كان الاصلاح الذي نتدافع للمطالبة به والمراوغة في تنفيذه يبدأ فعلا من السياسة ام من الاخلاق، قلت: لا بل من الاخلاق، ذلك انه لا يمكن لأي اصلاح ان يتحقق الا اذا كانت تربة الاخلاص جاهزة لاستقباله، وكان دعاة الاخلاق ونماذجه قادرين على رعايته وتعهده وصيانته، ولو احتج احدهم وقال: بان من غير الانصاف ان نطالب الناس بالاخلاق في ظل مناخات سياسية لا تقيم للعدالة وزنا ولا للكرامة اعتباراً.. فردّي عليه ان مشكلة السياسة تكمن اصلا في قطيعتها مع الاخلاق وانعزالها عن قيم الناس، وبالتالي فان اعادة العافية اليها مرتبط باعادة اخلاقياتها التي افتقدناها واستعادة النماذج والرموز التي رسخت فيها قيم النظافة والاستقامة قبل ان تتحول الى قيم اخرى مغشوشة افسدت الناس ودفعتهم الى افراز اسوأ ما فيهم من ممارسات.
حين كتب صديقنا العزيز فايز الفايز عن حاجتنا الى ثورة تصحيحية لاخلاقنا العامة واستشهد بما ذكره ابن خلدون عن انهيار الامم عند انهيار اخلاقها، قلت: هذا افضل ما يمكن ان ندعو اليه في هذه المرحلة التي استقال معظمنا فيها من مسؤولياته الاخلاقية واندفع منحازا الى حساباته وعواطفه وغرائزه التي تجاوزت منطق العقل والفهم الذي يميز الانسان، اي انسان.
لم يكن العنف الاجتماعي الذي يتصدر مشهدنا العام، ولا الفساد الذي اجتاح بلادنا، ولا التراجع المفزع في اداء المسؤول والموظف العام وفي علاقة الطالب بمدرسته وجامعته ومربيه واساتذته، الا نتاجا للتردي الاخلاقي الذي اصاب مجتمعنا والانهيار القيمي الذي حوّلنا الى مجرد اشياء تدور في فلك المنافع الشخصية بكل ما تولده من احقاد وتناحرات واشتباكات وهواجس مفتعلة.. وانتقام من كل شيء حتى لو كان من اجل لا شيء.
ترى من يتحمل مسؤولية هذا الفساد الاخلاقي الذي امتد من ساحات المدارس والجامعات الى الشوارع والبيوت المغلقة، أهي السياسة بكل ما انتجته من نماذج ومقررات ومناخات؟ أهو التدين المغشوش الذي اختزل الخلاص في الفرد والدين في الطقوس التي تحولت الى مجرد عادات والمقاصد العليا للشريعة في ابواب الحلال والحرام فقط؟ ام ان ثمة فاعلين اخرين تسربوا الى حقولنا الاجتماعية فأفسدوا منظومة التعليم والاقتصاد وقيم العلم والعمل واذواق الناس وافسدوا بالتالي حياتنا العامة وليصبح هذا الجيل فسخا تتحكم فيه غرائزه، وتسيّره المراسيم الجاهزة بدل التعاليم السامية؟
span style=color: #ff0000;الدستور/span