استعادة الولاية العامة
استعادة الولاية العامة للحكومة ستكون أبرز الخطوات الإصلاحية، إن تحققت، بحيث يتسنى للحكومة الحالية وتلك المقبلة القبض على جميع مفاصل الأمور، وتصبح بلا منازع صاحبة القرار الأخير في إدارة الشأن العام.
طويل هو الجدل الذي دار خلال السنوات القليلة الماضية حول فكرة فقدان الولاية العامة للسلطة التنفيذية، والحكومات التي سعت لاستعادة ولايتها فشلت بذلك، ما أدى إلى خلق حكومات ضعيفة وفاقدة للصلاحيات، تعيش واقعا منفصلا تماما عن وضع السياسات والرؤى.
مناقشة المادة 45 من الدستور مرت سريعا وبدون ضجيج اعلامي، حيث أقرها مجلس النواب يوم الأحد الماضي، رغم أنها من أهم محطات الإصلاح السياسي وأبرز المواد الدستورية التي خضعت للتعديل كونها تتعلق بمسألة الولاية العامة وصلاحيات مجلس الوزراء.
اللجنة القانونية وافقت على النص المقدم من لجنة التعديلات بعد إدخال تعديل عليه ليصبح "يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور، أو أي قانون آخر إلى أي شخص أو هيئة أخرى".
والتعديل الوحيد الذي أدخل على البند السابق يتعلق باستبدال كلمة تشريع بقانون، وبالمناسبة هو ليس تعديلا جذريا، وذلك لوضع حد لصلاحيات المؤسسات المستقلة التي تعطى بتشريع.
المادة خضعت لحوار طويل من قبل النواب وأقرت بالنص السابق، وكان ثمة ضغط من أعضاء في مجلس الأعيان لابقائها على حالها، اذ وشى المشهد تحت القبة ان هناك من يعارض استعادة الحكومات لصلاحياتها.
واللافت أن حراكا نيابيا تحرك عقب إقرار المادة للضغط باتجاه إعادة فتح الحوار حول المادة 45 عند الانتهاء من التصويت على جميع التعديلات المقترحة، بهدف تقليص أية صلاحيات تخرج من دائرة مجلس الوزراء، بحيث يصبح النص الدستوري على النحو التالي "يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية" وبدون اية استثناءات.
وفي حال تمكن النواب من اقرار هذه الجزئية، فإنه بذلك يقدم تحصينا وحماية للحكومات والبرلمانات من تغول سلطة على مسؤولية أخرى، وبحيث تكون الحكومة مسؤولة بالكامل أمام المجتمع والرأي العام عن أية قرارات تتخذها ولا تتوفر لها حجج للتملص من الواجبات والمسؤوليات المناطة بها.
وبإقراره هذه المادة، يستعيد مجلس الوزراء جزءا من مكانته التي فقدها خلال الفترة الماضية، وتسترد الحكومات هيبتها، الأمر الذي يمكنها من فرض الرقابة والسيطرة على مختلف المؤسسات التي باتت تعتقد أنها أهم وأكثر نفوذا من مجلس الوزراء.
إن مضى النواب في تنفيذ نواياهم حيال هذا التعديل، ستمسي مسألة فرض هيبة الحكومة على جميع المؤسسات أمرا متاحا إن هي رغبت، وخصوصا تلك المؤسسات التي تفرعت في الفترة الأخيرة، ونأت بنفسها عن مراقبة السلطة التنفيذية. والنجاح في صوغ هذه المادة وإقرارها سيسجل للنواب، خصوصا وأن مثل هذه الخطوة تساعد على تطبيق معايير الإدارة العامة السليمة وتؤسس لحالة من الشفافية والمؤسسية التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة، نتيجة التداخل بين الوظيفة العامة والمصالح الخاصة، في ظل ضعف آليات الرقابة والمساءلة، في مواجهة الفساد.
العبرة في وضع النص وتطبيقه كبيرة، كون ذلك يتيح تجفيف منابع الاستقواء على الحكومة من خلال المؤسسات المستقلة التي نمت على حساب المؤسسات الدستورية وأضعفتها وتحديدا الحكومة والبرلمان.
الغد