فتحت استقالة السيد طلال ابو غزالة من مجلس الاعيان بابا واسعا لسجالات سياسية وقانونية حول "ازدواج الجنسية" وفيما اذا كان الوزراء والنواب والاعيان الحاليون ملزمين بتقديم استقالاتهم انسجاما مع الدستور الجديد.
فكرة الحصول على جنسية اجنبية خاصة من قبل بعض المسؤولين ورجال الاعمال تعبر في الاصل عن تراجع في قيم ومشاعر الانسان العربي عموما نحو وطنيته، وباستثناء بعض الذي قادتهم ظروفهم الحياتية الى الغرب واضطروا للحصول على جنسية البلدان التي يعملون فيها فان "وصفة" الجنسية المزدوجة تحولت الى "وسيلة" للحصول على ملاذات آمنة وامتيازات خاصة وهذه كشفتها حالات الهروب التي قام بها مسؤولون كبار ورجال اعمال "متهمون" بقضايا فساد في اكثر من دولة "اخرها مصر" حيث رفضت اسبانيا مثلا تسليم رجل الاعمال المصري الهارب حسين سالم رغم اتهامه في قضية غسل اموال تجاوزت قيمتها 40 مليون دولار بذريعة انه يحمل جنسية اسبانية.
وبدون ان "نحكم" على كل من يحمل جنسية اجنبية الى جانب جنسيته سواء اكان ذلك لاسباب مشروعة ومفهومة ام غير ذلك فان منع من يحمل اي جنسية اخرى من تولي المنصب الوزاري او ما هو في حكم هذا المنصب يضع حدا "لمخاوف" كثيرة ويدرأ ايضا مفاسد لا يمكن حصرها خاصة حين نتحدث عن "العمل العام" وضوابطه وشروطه مع التزامات وحصانات تتعارض مع مبدأ المسؤولية ناهيك عن قيم الوطنية التي قد تتحول في لحظة ما لدى هؤلاء الى "فلكلور" من الماضي البعيد.
من الآن فصاعدا يتوجب على كل اردني يحمل جنسية اخرى ان يفصح عنها قبل ان يتولى المنصب العام كما يتوجب عليه التخلي عن جنسيته الاخرى كشرط لتوليه هذا المنصب وبهذا نكون قد تجاوزنا اشكالية "ازدواجية الجنسية" التي كان القانون يتغاضى عنها في الماضي تحت لافتة "عدم اشهارها" او عدم "الاستقواء" بها او كما نصت المادة 10 في قانون الانتخابات لعام 2010 "ان لا يدعي بجنسية او حماية اجنبية".
هناك -بالطبع- دول كثيرة في العالم تمنع مواطنيها من الحصول على جنسية اخرى الا اذا تنازلوا عن جنسيتهم الاصلية وهناك دول اخرى تضع شروطا صعبة امام كل من يريد الحصول على جنسيتها ومن بين هذه الشروط "ايداع" مبالغ مالية كبيرة او اقامة مشروعات كبيرة وقد سمحت هذه الشروط لبعض "السياسيين ورجال الاعمال العرب" بالحصول على "ملاذات" احتياطية يهربون اليها اذا ما تورطوا في قضايا فساد في بلادهم وتحميهم من المحاكمة او المطالبة بالتسليم من قبل حكوماتهم.
لا ادري بالطبع كيف يمكن -الآن- ان نحسم الجدل حول مصير الوزراء والنواب والاعيان الذين يتمتعون "بجنسيات" اخرى خاصة وان ثمة اختلافات بين فقهاء القانون الدستوري حول هذه المسألة لكنني اعتقد ان ما اقدم عليه العين ابو غزالة يمكن ان يرشدنا الى الطريق الصحيح، بمعنى ان يتقدم هؤلاء المسؤولون "لا نعرف كم عددهم" باستقالاتهم انسجاما مع النص الدستوري الجديد من اجل ازالة الالتباس وطيّ صفحة "ازدواج الجنسية" لمن يتبوأ موقعا عاما في الدولة الى الابد.
الدستور