إلغاء عقوبة مُفطر رمضان

إلغاء عقوبة مُفطر رمضان

 

كما يفعل داعش تماماً، تُلقي أغلب السلطات في البلدان العربية والإسلامية القبض على مفطري شهر رمضان، ويُسجنون مدةً قد تصل إلى ستة شهور لدى بعضها، إضافة إلى تغريمهم، بينما ينتظرهم الجلْد في السعودية، وهو ما يفوق العقوبة التي أقرّها التنظيم الإرهابي في الرقّة والموصل والقاضية بالسجن 15 يوماً.

 

لا أثر في تراثنا يشير إلى إيقاع هذا الجزاء قبل فرْضه على يد المشرّع العثماني، الذي اشتهر بعديد من الأحكام القاسية والمهينة بحق الإنسانية، نُفّذ بعضها حتى على أوروبيين خضعوا لحكمه في البلقان وبلغاريا واليونان، وردّاً على تلك الممارسات -التي يتشارك فيها جميع المستعمِرين بدرجات متفاوتة- سعى باحثون عرب وغربيون إلى رفض ما أسموه "الإسلام التركي" والقول بعدم تعميمه على المسلمين كافةً، ويُذكّرنا هذا بجهود كثيرين للتمييز بين "إسلام متطرف" و"إسلام معتدل" هذه الأيام.

 

وقد ورث أكثر من بلد عربي نصّ قانون العقوبات الصادر عن السلطنة العثمانية وفيه أن المفطر من المسلمين علناً يحبس حتى صباح العيد، وأن محال بيع الخمور تغلق طيلة أيام رمضان، ولم تكلّف المؤسسة الدينية الرسمية نفسها عناء العودة إلى مرجعياتها المعتمدة، إذ لم يثبت في القرآن ولا في السنة النبوية ما يوجب توجيه عقاب مادي لمن جاهر في إفطاره.

 

ترفض دار الإفتاء الأردنية الاكتفاء بإيراد "أحاديث الكفّارات" للإجابة عن أسئلة تستوضح حكْم المفطر علناً، بل تطالب على موقعها الإلكتروني بالاستعانة بولي الأمر من أجل ردعه، وهو مطلب يجد آذاناً صاغية لدى نواطير السلطة، إذ أعلنت الحكومة العام الماضي عن "رفع عقوبة المفطر إلى الحبس شهر واحدٍ ودفْع 50 ديناراً بعد أن كانت المدة نفسها وبغرامة 15 ديناراً"، وفق مسودة قانون العقوبات الجديد التي جمعت الحبس مع الغرامة لتصبح 200 دينار عن كامل رمضان.

 

تسقط ادعاءات شيوخ الدين بأن حكمة الصيام تتمثّل بالتضامن مع الفقراء والمساكين عبر تهذيب النفس وحرمانها من الملذّات، فلا يُستفز أحدهم من رؤية جوعى يقدّرون بستين مليوناً على امتداد العالم العربي، إنما يُستنفرون لغاية الاقتصاص المباشر ممن خالف أوامرهم وهدّد سلطتهم الدنيوية، وبذلك لا يبقى من الصوم سوى أداة للقمع توّظفها أنظمتنا لتلميع صورتها الدينية، التي لا تكترث بأن أسلوبها الانتقامي تجاه مواطنيها "المخالفين" لأحكام الشرع يتماثل مع ما تقوم به ميليشيات إرهابية.

 

تُنحّى قضايا الفساد وسوء استخدام الوظيفة جانباً ولا تخضع للمساءلة الفورية، في ما ينتشر أفراد الشرطة لتفعيل قانون لمعاقبة المفطرين يتناقض حتى مع الأصل التشريعي الذي استمدّ منه، فكيف سيميّزون بين مسلم وغير مسلم، وبين مواطن وسائح، وبين مفطر بغير عذر أو بعذر بحسب التشريعات ذاتها، ولا خروج من هذه المتاهة مع تصاعد مزاودات شعبوية للنيل من "العصاة".

 

هل نمتلك شجاعة الاعتراف بأن رمضان هو أقل الشهور إنتاجية في العام، وأن الموّظفين المقصّرين عن أداء واجبهم يصبحون أكثر عصبيةً وفظاظةً في تعاملهم، وأن سلوك الغالبية الساحقة من الصائمين يعبّر عن هستريا جماعية يدلّ عليها فائض غضبهم في قيادة مركباتهم، وتزاحمهم في الأسواق، والشجار لأتفه الأسباب.

 

قلق الجوع الذي يصيب الصائم يتيح للدعاة مساحةً أكبر لنشر ما يريدونه من أفكار وأحكام جاهزة حول المجتمع من غير رقيب ولا حسيب، وتكريس احتكارهم الدين بما يتناسب مع رؤيتهم، التي تحرّم مناقشة شؤونه من غيرهم، رغم معرفتنا المسبقة بضحالة معارفهم التي تؤهلهم لاختلاق فوائد للصيام لا أساس علمياً ودينياً لها، ومنها علاجه للسرطان والروماتيزم والاكتئاب وعشرات الأمراض بالاستناد إلى دراسات غربية – كما جرت العادة- وعند البحث عنها لا نجد أساساً لها إلاّ على ألسنتهم.

 

لا ينتبه هؤلاء المشايخ إلى إصرارهم "المشبوه" على ترويج الإسلام بطرق وأساليب غير منطقية لا يحتاجها أتباع الديانات الأخرى لتبرير صومهم، رغم امتلاكهم من "الوجاهة" لتسويق معتقداتهم بما لا يقلّ عما لدى المسلمين.

 

الإفطار في نهار رمضان ليس جنحة أو جريمة تستحق الجزاء، والأجدى بنا إنهاء عنف المؤسسة الدينية نفسها، والمدعوم رسمياً عبر منحهم الفضاء العام؛ إعلاماً ومؤسسات تعليمية ونفوذاً اجتماعياً، لنشر خرافات لا حصر لها، وتمكين رجال حسبتها من سلطة تنفيذية تخوّل لهم مراقبتنا وعقابنا.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر "تكوين" في عمان نت.

أضف تعليقك