إعلام التحرش والتحريض
نشرت وسائل إعلام خبر اعتصام يمنيين وسوريين أمام رئاسة الوزراء، ليتبين لاحقاً أنهم عشرات الطلبة الأردنيين العائدين من اليمن، بناء على تصريح مغلوط سارع الأمن العام لتصحيحه، إلاّ أن التصويب لم يعد يعني صحفاً ومواقع إلكترونية ترغب في التحريض –عادتها ودأبها- ضد مقيمين في الأردن؛ عرباً وأجانب، ناهيك عن خلل أساسي يتجسد في اجترار الشائعات والتسريبات، لا الاعتماد على تغطيات ميدانية وصحافة استقصائية بحثاً عن المعلومة.
يبدو فائضاً عن الحاجة مناقشة ملكية وسائل الإعلام، في الأردن، فغالبيتها تستجدي السلطة -بتعدد مراكزها- ومعلنين لا همّ لديهم سوى ترويج أعمالهم وإظهار توددهم للحكْم، كذلك، غير مكترثين بمسوؤليتهم الاجتماعية التي تستوجب منهم تطوير التعليم والصحة وبرامج الرعاية ودعم الثقافة والفنون، بدلاً من تكريس منطق الإحسان والعمل الخيري فقط.
المالكون الحقيقيون لمعظم الصحف ووسائل الإعلام لدينا يمثلون العقل الأمني المرتبط بـ"البزنس"، الذي يمارس وصايته على المجتمع، لذا يلجأ إلى إقناع مواطنيه بوجود تهديد دائم سواء عبر زرع خطاب كراهية ضد اللاجئين ونجد تقارير كثيرة في هذا السياق، أو التركيز على أي جرم يقوم به غير أردني، كما في واقعة تحرش طلبة عراقيين منذ فترة قصيرة، أو استعداء كل فكرة أو ظاهرة جديدة، ورفض مناقشتها مطلقاً مثلما حدث مع مهرجان الألوان أو الإفطار الجماعي في الرينبو وغيرهما، إلى درجة تأليب الرأي العام؛ سواء بتوظيف رجال دين وأساتذة جامعات لتجريم هذه الظواهر، ونشر تعليقات جارحة وبذيئة، يدعو بعضها إلى العنف.
العقل ذاته يثبّت مقولة "احنا أحسن من غيرنا"، وإن مارس التزوير في عرض الحقائق، أو نزّعها من سياقها، وسعى إلى تضخيمها أحياناً أو التقليل من شأنها، بحسب مصالحه، فينتشر خبر عن تصدّر الأردن جميع الدول العربية في مؤشر الحريات، الذي أصدره معهد كاتو، ومعهد فريزر، ومعهد الليبراليين/ فريدريش نومان، بينما من يقرأ تفاصيله يجد أن هذا التصدر لا معنى له، حيث حللنا في المرتبة 78 عالمياً من أصل 152 دولة.
يحتفي إعلاميون بنتائج هذه التقارير الدولية، التي اعتبروها جيدة، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءتها، أو التدقيق بها، ففي هذا التقرير يحلّ الأردن متراجعاً عن سنوات سابقة ولا يفصل بينه وبين معظم الدول العربية إلاّ مراتب قليلة، والأخطر من ذلك أن تصنيف الحريات الشخصية (الفردية)، في الأردن، منخفض نسبياً بـ5.8 من 10 (لن تجد في القائمة إلاّ دولا عربية وبعض الدول الإفريقية متخلفة عنّا) مقارنة بـ7.8 للحريات الاقتصادية، فالدولة تسهل انتقال الرساميل والاستثمارات بينما تقيد حركة أفرادها، وهو ما يؤشر على احتقانات واضطرابات مقبلة.
التقاء الوصاية الأبوية للأمن بالنظرة الفوقية التي يمتلكها "البزنس" هو ما يفسر إطلاق حملات دعاية تبرز اهتمام المسؤولين ورجال الأعمال بهموم مجتمعاتهم، بينما هم يقدمون "صدقات" عابرة لا تفيد بتنمية الوطن وتحديثه، وأن قطاعات أساسية في البلد مثل التعليم والصحة والطاقة والنقل والمياه تحتاج إلى المليارات تديرها يد نظيفة تحتكم إلى خطط مدروسة لا توزيع ابتسامات والتقاط صور مع أيتام وفقراء ومعوزين.
تغول الأمن والبزنس، أيضاً، هو من يسمح بـ"تحرش" وزير، متجاوزاً كل قواعد اللياقة العامة، بإحدى الصحف، التي نشرت تسريباً حول تحرش مسؤول بدبلوماسية، من دون الإشارة إلى اسمه ووظيفته، وعلى الجميع أن يصمت على شتائم معاليه ولغته البائدة، ويبارك هذا الانتهاك الجديد لإعلامنا.
"إعلام" يقدم وظائف عديدة، أهمها التعامل معنا بوصفنا مواطنين عند تسديد الضرائب والواجبات، ويحولنا إلى مجرد أفراد في قصص صحفية حين تنتقص حقوق وتسلب حرياتنا.
- محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.