لا يختلف اثنان على أهمية الإصلاح لعبور مرحلة المراوحة التي نعيشها الآن، إلى مرحلة جديدة، أساسها سيادة القانون، والمساواة، والعدل، واجتثاث الفساد، وتكريس العدالة الاجتماعية.والمفارقة أننا تحدثنا عن هذه المرحلة منذ سنوات، لكننا لم نعبرها حتى الآن، ولم نهيئ البنية اللازمة لعبورها.
فالذهاب إلى ذاك المراح لا يتأتى من خلال عد أعداد المشاركين في المسيرات أو الاعتصامات المطالبة بالإصلاح، ولا من خلال إرسال قوانين نسميها إصلاحية إلى الجهة المعنية (مجلس النواب)، بدون أن تكون (القوانين) في جوهرها وأساسها وتكوينها إصلاحية بالفعل، فلا تشمل مواد عرفية، ونسمح لاحقا لأفكار بعيدة عن الإصلاح بأن تتغلغل فيها.تشريعنا للآن يقوم على مبدأ ردات الفعل، ولا يرتكز في جوهره على الفكر الإصلاحي الذي بتنا نتحدث عنه مطولا.
فإلاصلاح الذي يدوم، يجب إبعاده عن الحسابات الضيقة مع أو ضد؛ وإبعاده أيضا عن رغبة هذا الطرف أو ذاك؛ فنحن بحاجة إلى تشريعات بنيتها العامة إصلاحية، تؤمن بالإصلاح والعدالة الاجتماعية كمرحلة تطور طبيعية باتجاه مرحلتنا المقبلة. ووقتها يمكن أن نبني على ذاك كل التشريعات اللاحقة، فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، والإصلاح الحقيقي المبني على قوانين إصلاحية بروحها وموادها لا بد أن يكون الأساس.
ولذلك، علينا المساهمة في هذا الأمر بدون أن ندخل أنفسنا وبلادنا في تعقيدات نحن في غنى عنها، وبدون أن ندخل في تشريعاتنا مواد هدفها إزاحة هذا الطرف أو ذاك.
فمثلا، لا أجد تفسيرا لموقف الأعيان من عدد مؤسسي الحزب في مشروع قانون الأحزاب، وإصرارهم على أن يكون العدد 500 بدلا من 250 مؤسساً.
ربما يقول بعض الأعيان إن ذلك هدفه ضمان شعبية جماهيرية للحزب في كل المحافظات.
ولكن هذا التبرير لا يستقيم مع فكر إصلاحي حقيقي نتحدث عنه؛ فما المشكلة أن يؤسس الحزب بأي عدد من الأشخاص، سواء أكانوا 50 أم حتى 5 أشخاص؟ ذلك أن القضية ليست في العدد، وإنما في تأثير الحزب، وحضوره سياسيا واجتماعيا وبرلمانيا واقتصاديا، ومدى قدرته على التواصل مع الناس.بعض الديمقراطيات الناشئة، وأظنها التونسية، يتم الاكتفاء فيها بإرسال إخبار من المؤسسين إلى الجهة المعنية في الحكومة أو في ديوان رئاسة الجمهورية مثلا.
وهذا ما أشار إليه النائب ممدوح العبادي في أكثر من مناسبة، وهو تأشير إيجابي، الهدف منه تعميق عملية الإصلاح إلى أبعد درجة ممكنة، وترك الأمور بيد الشعب ليختار أي حزب يريد.
الإصلاح في مجمله لا يقف عند قانون الأحزاب أو قانون الانتخاب مثلا، فنحن لا نريد الذهاب إلى صندوق الاقتراع، نهاية العام، بدون أن يكون القانون الذي سنذهب للانتخاب على أساسه توافقيا، يؤمن العدالة الاجتماعية المرجوة، ويؤمن عدم إضاعة الأصوات، وعدم تفتيت الدولة، ولا يحارب الأحزاب، ولا يكرس الجهوية والعشائرية والفئوية، كما هو الحال في قانون الصوت الواحد سيئ السمعة.
القصة ليست تغيير طواق أو إشكال، فالإصلاح لا يعني تغيير المجلس الحالي واستنساخ مجلس جديد قريب منه بنسبة 75 % مثلا؛ إنما المطلوب تأمين قانون انتخاب مواده إصلاحية، لا تعتمد على مبدأ إقصاء الآخر، ولا يحسب أثناء تشريعها كم سيحصل الإخوان المسلمون جراء النظام الانتخابي هذا أو ذاك.
والقصة ليست في تأمين الذهاب إلى صندوق الاقتراع فقط، وإنما نريد تشريعات إصلاحية، يتم إنتاجها بيد أشخاص إصلاحيين يؤمنون بالرأي والرأي الآخر، أشخاص لديهم الاستعداد لدفع أعمارهم لتأمين حق الآخر في قول رأيه، ولا يدفعون أعمارهم لمنع الرأي الآخر من قول وجهة نظره، أشخاص يعتبرون الرأي الآخر وجهة نظر، لا خيانة وعمالة، ويتلذذون في الشتم والسباب. إذن، ما نريده تشريعات إصلاحية في موادها وفي سياقها العام.
آنذاك، يمكن لنا القول إننا بدأنا فعلا وقولا وعملا مرحلة إصلاح حقيقية.
وآنذاك، بطبيعة الحال، سيخرج لنا مجلس نيابي قوي، قادر على إنجاز المطلوب منه، وسنعرف أن أي طرف يرفض الرأي الآخر، تلميحا أو تصريحا، لن يكون له وجود بيننا، لأن عماد الإصلاح هو احترام الرأي والرأي الآخر.
نعم، نريد انتخابات نيابية في أقرب وقت ممكن، ولكننا في الوقت عينه لا نريد قانون انتخاب من حوايج البيت لا يفي بالغرض الإصلاحي الذي نتحدث عنه ليل نهار؛ نريد قانون انتخاب يؤمن العدالة الاجتماعية، ويؤمن وصول الأحزاب إلى البرلمان بدون أن نقضي الليل والنهار بحسبة كم سيحصل هذا الطرف أو ذاك؛ قانون انتخاب يؤمن بالعدالة والمواطنة ويبعدنا عن العشائرية والفئوية والجهوية والإقليمية
span style=color: #ff0000;الغد/span