تبدو المفارقة جليّة في موقف كلّ من جماعة الإخوان في الأردن ومصر تجاه الانتخابات النيابية. فبينما يقاطع إخوان الأردن الانتخابات، رغم أنّهم جماعة معترف بها، وتحرص الحكومة على مشاركتهم، فإنّ إخوان مصر يشاركون رغم أنّهم جماعة محظورة قانونياً، وتلاحقهم السلطة والأجهزة الأمنية، بل إنّ المكافأة الرسمية المباشرة لإعلان الإخوان المشاركة جاءت عبر حملة من الاعتقالات ضد أفراد من الجماعة في اليوم التالي.
المقارنة السابقة لا تتجاوز السطح السياسي، ولا تغوص إلى حيثيات وإشكاليات أعمق من ذلك، تتمثّل في سؤال ملح يطرح على الحركة الإسلامية عموماً اليوم وهو "سؤال ما بعد المشاركة السياسية"، أو بعبارة أدق "فشل المشاركة السياسية" في إحداث تحوّلات جذرية في المشهد السياسي العربي اليوم.
ذلك أنّ وجود حالة "استعصاء سلطوي" في أغلب الدول العربية، وإغلاق مسارات الإصلاح السياسي وسد المنافذ الموصلة إليه، يجعل من أفق التغيير السلمي عبر صناديق الاقتراع حلماً بعيد المنال. وفي الوقت نفسه، فإنّ الأوضاع العامة تزداد سوءاً وتتدهور اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وحتى وصلت الأمور مؤخّراً إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية كالكهرباء والماء.
هذا العجز عن إحداث اختراقات، من خلال العملية الانتخابية، مع ما يعتريها من تجاوزات وانتهاكات، وضبط الحكومات للمخرجات كي لا تؤدي إلى اختراقات، والتراجعات المقلقة في الأوضاع العامة، كل ذلك بدأ يطرح سؤالاً بنيوياً على الإسلاميين الذين اختاروا طريق الديمقراطية فيما إذا كان عليهم الاستمرار في هذا المسار أم التوقف والتفكير في خيارات أخرى، وهنا تحديداً اختلفت الإجابات حتى داخل الحركات الإسلامية نفسها، وبين أجنحتها.
ثمة من يرى أنّه بالرغم من "انسداد آفاق التغيير" وتراجع الأوضاع العامة والاستهداف من قبل الحكومات والمشاركة "الشكلية"، فإنّ صناديق الاقتراع هي الطريق الوحيدة للتغيير، ولا بديل عنها، طالما أنّ الحركة الإسلامية أعلنت قبل سنوات بصورة قطعية عن مبادراتها الإصلاحية باختيار هذا الطريق، وطالما أنّها حسمت منذ سنوات طويلة إغلاق الباب أمام التغيير المسلّح، بل وطوّرت مقاربات لتحجيم تأثير فكر سيد قطب داخل الجماعة.
في المقابل، ييحث فريق آخر من الإسلاميين عن "الطريق الثالث"، بين التغيير عبر العمل المسلّح وبين العمل النيابي غير المجدي، ويتمثّل ذلك بالتغيير السلمي لكن خارج قبة البرلمان أو بناء جبهات تمارس ضغوطاً شعبية وسياسية على النظام لتغيير قواعد اللعبة والسماح بإحداث تغييرات حقيقية وبنيوية تسمح بولادة الإصلاح السياسي.
داخل إخوان الأردن انتصر الفريق الذي يتحدّث عن "الطريق الثالث"، بينما العكس حدث في الحالة المصرية، وقد يرى الإخوان الأردنيون أنّ الطريق الثالث هو الأكثر قدرة على الاختراق، بينما يرى الإخوان المصريون أنّ المشاركة في الانتخابات البرلمانية هي البديل الوحيد المتاح، بينما الطريق الثالث ما يزال يفتقد إلى روافع اجتماعية وسياسية محلية. في المحصلة، فإنّ السؤال المطروح على الحركة الإسلامية عموماً يتجاوز خياري المشاركة والمقاطعة في الانتخابات الحالية، إلى الإشكالية الأكبر: ماذا نفعل في مواجهة "الانسداد السياسي الحالي"؟! ولعله سؤال مطروح على القوى الإصلاحية عموماً، ولا يقتصر على الإسلاميين.
الغد