إرادة الإصلاح الانتقائية.. حكومتان في الأردن
من تشريع عصري للأحوال الشخصية الى قانون متخلف للانتخاب .
عندما تنوي حكومة اي حكومة اتخاذ خطوات من شأنها دفع عملية الاصلاح الى الأمام, فلن تعوزها الوسائل لفعل ذلك مهما كان امامها من معيقات وتستطيع ان امتلكت الارادة ان تحدد وبدقة ما هو مفيد للتقدم والاصلاح من بين جميع الآراء والاقتراحات المطروحة.
قبل يومين اقرت الحكومة قانونا مؤقتا للأحوال الشخصية يعتبر في كل المعايير عصريا ومتقدما على القانون النافذ. القانون يحظى بقبول عند اطراف كثيرة, لكن هناك تحفظات على العديد من مواده من جهة اوساط محافظة ترى فيه تعديا على الأعراف والتقاليد, وفي المقابل هناك في اوساط الاصلاحيين من يسعى لقانون يتطابق مع كافة المعايير الدولية المتعلقة بحقوق المرأة والطفل.
الحكومة ادركت ان تأجيل اصدار القانون الآن يعني احالته الى مجلس النواب الجديد وهناك لا يستطيع احد ان يتنبأ بمصيره فقد سبق ان رفضت مجالس سابقة تعديلات عصرية على قوانين عديدة.
صحيح ان الحكومة ملزمة دستوريا باحالة القوانين المؤقتة الى مجلس النواب عند انعقاده, لكن امكانية ابطاله بعد نفاذه ستكون مهمة صعبة.
وفعلت الحكومة الامر ذاته في قانون الضمان الاجتماعي المؤقت الذي ادخلت عليه تعديلات ايجابية في نظر الكثيرين ما كان لها ان تمر في مجلس النواب.
المشكلة ان ارادة الاصلاح عند الحكومة انتقائية تظهر جلية في هذا الحقل او ذاك وتغيب في مجالات اخرى لدرجة يخيل للمرء ان في البلد حكومتين: واحدة اصلاحية واخرى محافظة. فالارادة التي توفرت لانجاز قانون عصري "مؤقت" للأحوال الشخصية لم نر مثلها عند اقرار الحكومة لقانون الانتخاب المؤقت. فالقانونان يتسمان بطابع اشكالي والآراء بشأنهما في المجتمع تتباين, لكن وسط هذا الاختلاف في الاجتهادات كانت الحكومة قادرة على التقاط ما هو عصري وتقدمي من تعديلات لقانون الاحوال الشخصية, مدفوعة بارادة الاصلاح ومتجاهلة الاصوات التي تشدنا الى الخلف او تلك التي تدفعنا الى قفزة في الهواء, بينما غابت هذه الرؤية تماما في قانون الانتخاب المؤقت, فمن بين "كومة" من الاقتراحات والافكار المتداولة لاصلاح النظام الانتخابي لم تتطلع الحكومة الا على ما هو قديم وبالٍ, ووضعت جانبا الاقتراحات التي تساهم فعلا في تنمية وتطوير الحياة البرلمانية والحزبية لم يكن هذا مجرد سوء تقدير او عجز عن ادراك الحاجة الملحة للتحديث والاصلاح في القوانين الناظمة للحياة السياسية, انما هو تعبير عن عدم الرغبة او توفر الارادة الكافية للسير في عملية الاصلاح السياسي الى الامام.
انها ببساطة الارادة الانتقائية التي تحكم مسار الاصلاحات المضطرب في الاردن منذ ان اصبح "التحول الديمقراطي" مرحلة دائمة وليست محطة مؤقتة تنقلنا الى الأمام
العرب اليوم