أقصر الطرق لفك إضراب المعلمين

أقصر الطرق لفك إضراب المعلمين
الرابط المختصر

أقصر الطرق لفك إضراب المعلمين، هو التوافق على تسوية مقبولة من الطرفين. وأسوأ الحلول وأصعبها، سلوك طريق التصعيد والتهديد باللجوء إلى الخطة "ب"؛ الاستعانة بالمتقاعدين وطالبي الوظائف بديوان الخدمة المدنية.

بذلت رئاسة النواب ولجنة التربية النيابية جهودا مضنية لفك عقدة الإضراب، ودفع الطرفين إلى تسوية في منتصف الطريق. لكن الأجواء المشحونة، وحملة التلاوم المتبادلة بين نقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم، احبطت تلك الجهود.

يستشف من الأجواء السائدة أن هناك حالة من فقدان الثقة بين طرفي النزاع، يستدل عليها من خطاب التصيد عند الطرفين، والتشكيك في كل كلمة يقولانها.

رغم الانطباع السائد بفشل جهود النواب، إلا أنني أعتقد أن المبادرة النيابية لم تمت بعد، ويمكن تنشيطها عبر آلية مفاوضات جديدة.

لكن قبل أن يجدد النواب مسعاهم، يتعين عليهم الحصول على تعهد من النقابة والوزارة بالتوقف نهائيا عن إطلاق التصريحات النارية والاستفزازية، والانتقال إلى العمل في الغرف المغلقة. ما من مفاوضات تنجح تحت الأضواء، ووسط هذا القصف الإعلامي المستمر عبر مختلف المنابر.

ثمة حاجة أيضا لإبداء حسن النية من الجانبين. لا يصح أن تعلن النقابة، مثلا، رفضها لمسودة الحل المقترحة. من المستحسن أن تقول وبصريح العبارة إن هناك بنودا تم الاتفاق عليها، وأخرى محل نقاش. وكبادرة تؤكد رغبتها في التسوية، تدعو النقابة منتسبيها إلى تعليق الإضراب مؤقتا، لمدة يومين مثلا، واستئناف الدراسة، على أن تحتفظ بحقها في العودة إلى الإضراب في حال لم تسوَّ باقي المطالب.

وعلى وزارة التربية في المقابل أن تكف تماما عن التهديد بالخطة "ب"، ووقف التصعيد الإعلامي وحملة الاتهامات للنقابة بتسييس الإضراب، وتجنب تحريض أهالي الطلبة أو الوعيد بمعاقبة المعلمين المشاركين في الإضراب.

عمر نقابة المعلمين لا يزيد على ثلاث سنوات، بينما همومهم متراكمة منذ عقود ولا يمكن التغلب عليها وإنصاف المعلمين بضربة واحدة. هناك حاجة لإدراك مفهوم التدرج؛ فالنقابة ليست لجنة مؤقتة نخشى أن ينفد وقتها قبل تحقيق المطالب. النقابة مؤسسة دائمة وقائمة ولا رجعة عنها، بصرف النظر عن الأصوات النشاز التي تطالب بحلها. الزمن لا يمكن أن يعود إلى الوراء، وما لا تستطيع النقابة تحقيقه اليوم، ستحققه في السنوات المقبلة. هذا ما تؤكده خبرة النضال النقابي في دول العالم.

وزارة التربية لم تتكيف بعد مع وجود ممثل نقابي للمعلمين. نشعر أحيانا أنها تضيق بالفكرة، وهذا أمر مفهوم؛ فلعقود طويلة تعودت الوزارة على لعب دور الممثل لجميع أطراف العملية التربوية؛ المعلم، والطالب، والأهالي أحيانا. تحتاج بيروقراطية الوزارة لفترة من الوقت للتأقلم مع شريك لم تعتد عليه، كانت حتى الأمس القريب ممثلا له.

مرحلة التكيف المتبادل وقبول كل طرف بالآخر، هي مرحلة انتقالية صعبة، تتطلب من الطرفين الحكمة والتبصر، والبحث عن المساحات المشتركة وتوسيعها، والقبول بالتسويات والحلول الوسط، والأهم من ذلك عدم اللجوء إلى المستويات المرتفعة من الاحتجاج المطلبي قبل تكريس تقاليد وقواعد متفق عليها للعمل النقابي يقبل بها الطرفان، ويهضمانها على نحو متدرج.

محاولات النواب لتسوية الخلاف فشلت لأن الطرفين المتنازعين لم يضعا قواعد مشتركة للحوار، فكان همّ كل طرف تسجيل النقاط في مرمى الآخر. ولهذا، بدت طاولة الحوار أقرب ما تكون إلى حلبة ديوك متصارعة. وهذا ما شهدت عليه اللقاءات التي جمعت ممثلي النقابة والوزارة في البرلمان.

حان الوقت للانتقال إلى مستوى أرقى من الحوار، وعندها لن تنعدم الحلول.

الغد