أصغر من كسر عشري

أصغر من كسر عشري
الرابط المختصر

ليس مفاجئا تجدد الحراك الذي خرج من مختلف محافظات المملكة أخيرا مطالبا بالإصلاح. وتحرك الناس في محافظات أخرى لا يحتاج إلى الكثير من الوقت طالما أنهم لم يستشعروا بعد "بركات الإصلاح الموعودة".
ففرص التصعيد الشعبية تتعاظم في ظل استمرار السياسات ذاتها واختلال الأولويات الإصلاحية لدى الحكومة التي ركزت على الإصلاح الإداري وأسقطت من حساباتها الإصلاح السياسي والاقتصادي، الأمر الذي سيضاعف مستوى الحراك الشعبي المطالب بالحرية والعدالة ومحاربة الفساد.
ومخطئ من ظن أن الخروج للتظاهر والمطالبة بالحقوق الاقتصادية والسياسية التي اغتصبت على مدى عقود طويلة كان أمرا غير متوقع، فهو نتيجة طبيعية لسنوات من غياب العدالة في توزيع مكتسبات التنمية واتساع الفجوة التنموية بين المركز والمدن الأخرى.
واحتجاج الناس، وإن كان منبعه اقتصاديا، إلا انه بالأصل بحث عن كرامة ضاعت وحرية استلبت وإرادة همشت حينما بدأت الحكومات بوضع قوانين تحد من الحراك السياسي وتحذر من الانضمام للأحزاب، لتختم ذلك بقانون انتخاب الصوت الواحد الذي قطع أوصال المجتمع لأصغر "كسر عشري".
والاحتجاج ليس السبيل الأخير لرفع ظلم مورس على المجتمع في ظل حكومات استمرأت الإهمال وتخلت عن دورها الحقيقي لردم الفجوة التنموية بين المركز والأطراف، وسط مغالاة في فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة والتي امتصت مداخيل الأسر المتواضعة أصلا.
خروج أبناء الطفيلة والرمثا ومادبا والزرقاء والكرك عن صمتهم ليس إلا البداية، والتصعيد متوقع في ظل بطء الإنجاز، وتواضع الخطوات المستجيبة لطموح الناس الذين حاصرت الحكومات حريتهم وكرامتهم وأرهبتهم لدرجة أثقلت روحهم وعقلهم، وخلقت في أذهانهم "تابوهات" غير حقيقية، وسط بيئة خصبة قتلت شعوره بإنسانيته وأفقدته إرادة المطالبة بحقوق الطبيعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والسنوات الأخيرة كانت حاسمة في زيادة منسوب عدم الرضا لدى المجتمع، خصوصا وأن معدلات نمو الإنتاج المحلي بالأسعار الثابتة بلغت 8.8 % و7.6 % للعامين 2007 و2008، وظلت الحكومات المتعاقبة والمؤسسات الأممية تتغنى بها رغم أنها لم تجلب لنا سوى عدم الرضا عن المنجز الرقمي الذي لم ينعكس على حياة الناس ومستوى معيشتهم.
أبناء المحافظات يتطلعون لإصلاح سياسي يضمن لهم الحرية ويقودهم إلى حقوقهم الاقتصادية التي انتهكتها الحكومات، وساعدها في ذلك غياب الحرية وحالة الجمود الفكري التي عاشها المجتمع بعد سنوات من الترويض التي مورست بحقها؛ بعلمها أو من دون أن تدري.
ونظرا لصعوبة الحالة الاقتصادية ومحدودية الموارد المالية تبدو فرص الإصلاح السياسي اليوم أقوى، خصوصا وأنها لا تحتاج إلا لإرادة قوية ورغبة في التغيير إلى الأفضل، إضافة إلى أن الإصلاح السياسي الحقيقي يقود بشكل أو بآخر إلى الإصلاح الاقتصادي الذي ينشده الجميع.
وفي ظل استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة وتوقعات تراجعها خلال العام الحالي والأعوام المقبلة، يظهر أن الخروج من عنق الزجاجة متاح من خلال دعم مخرجات لجنة الحوار الوطني للخروج بقانون انتخاب عصري ينتقل بالبلد إلى مرحلة جديدة.
والمماطلة في استحقاق الإصلاح الذي يتطلع له كل أردني ليست إلا استنزافا للزمن وزيادة في كلف التغيير المطلوب.

الغد