أزمة ثقة: لماذا؟!
بالرغم من أنّ رئيس الوزراء حافظ في استطلاع الرأي أمس (الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية على الحكومة الثانية له) على مستوى الثقة الذي حصل عليه الرؤساء السابقون منذ علي أبو الراغب إلاّ أنّه لم يستطع تجاوز أزمة الثقة الصارخة بينه وبين قادة الرأي منذ تشكيل حكومته الأولى.
الاستطلاع أظهر تراجعاً كبيراً جداً (11 نقطة) حتى لدى قادة الرأي أنفسهم بالثقة بقدرة الرئيس على تحمل مسؤولياته ما بين تشكيل الحكومة 2009 وإعادة التشكيل الحالي، وهذا ينعكس بعمق على توقعات قادة الرأي لأداء الحكومة كاملةً والفجوة البارزة مقارنةً بالحكومات السابقة عند التشكيل، كما يشي رسم بياني يظهر أنّ توقعات قادة الرأي بقدرة الحكومة الحالية (56 %) هي الأضعف تماماً خلال السنوات العشر الأخيرة!
بالطبع، يسجِّل تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية هذه الملاحظة وما تحمله من دلالة سياسية بالقول إن تقييم قادة الرأي يعكس توتراً في العلاقة بين الحكومة الحالية والنخبة السياسية، والذي قد تظهر معالمه في المرحلة المقبلة...
في استطلاعات الرأي السابقة اشتق المركز عبارة فجوة الثقة المتنامية بين الحكومات والرأي العام، التي برزت في انكسار واضح في الخط البياني منذ عهد حكومة علي أبو الراغب الثانية. وفي حين كانت عينة قادة الرأي أكثر تفاؤلاً خلال المرحلة السابقة، فإنّ تراجعاً كبيراً حصل فيها مع الاستطلاعات الأخيرة في حكومة سمير الرفاعي.
ثمة تفاصيل يقدّمها الاستطلاع يمكن الاستعانة بها في قراءة أسباب الأزمة الجديدة في الثقة لدى قادة الرأي، فإنّ الأسباب الرئيسة لدى من يشكّون في قدرة الحكومة، لا ترتبط بمدى كفاءة رئيس الوزراء نفسه بل بـحالة الفريق الحكومي، من حيث الانسجام والتوافق الداخلي، وهي نتيجة تظهر لدى كلّ من الرأي العام (38 %) وقادته (29 %) على السواء، تليها ظاهرة تكرار أسماء الوزراء وتدويرها. ذلك يعني، بوضوح، أنّ الرأي العام وقادته غير مقتنعين بالآليات الحالية في تشكيل الحكومات واختيار الوزراء وفقاً لمعايير واضحة لدى الجميع، ما ينعكس على اهتزاز صورة الانسجام والتناغم بين الفريق الحكومي. هذه الملاحظة تبرز في اعتقاد 15 % من المشككين في قدرة الحكومة بأنّها لا تمتلك الخبرة.
وفي الخلاصة ذاتها، فإنّ الظروف الاقتصادية تحتل مرتبة متأخرة في تقييم عدم الثقة، وفقاً للأرقام، ما يشير إلى أنّ مربط الفرس هو وجود حكومة قوية منسجمة متناغمة قادرة على مواجهة التحديات الصعبة التي يواجهها المواطنون، وتحديداً في المجال الاقتصادي، الذي يحتل الأولوية المطلقة لدى أغلب الناس وقادة الرأي.
أزمة الثقة تتبدّى، أيضاً، في شعور النسبة الأعلى من قادة الرأي (45 %) بأنّ الوضع الاقتصادي خلال الشهور المقبلة سيكون أسوأ مقارنة بـ(14 %) فقط يعتقدون أنه سيكون أفضل!
من السهولة لجوء مسؤولين إلى اختلاق المبررات والأعذار، وربما التقليل من أهمية فجوة الثقة المتنامية في الحكومات لدى الرأي العام، التي بدأت منذ حكومة علي أبو الراغب الثانية، وأزمة الثقة بين قادة الرأي وحكومة سمير الرفاعي، إلاّ أنّ هذه البيانات بمثابة إشارات واضحة في اتجاهين؛ الأول أنّ هنالك شعوراً عاماً يتصاعد بغموض آليات اختيار الوزراء ما ينعكس على انسجامهم وقدرة الحكومة مجتمعة.
والثاني أنّ هنالك مشكلة كبيرة في أداء الإعلام الرسمي، وفي قنوات التواصل بين الحكومة والرأي العام وقادته، وهي فجوة خطرة في حال أقدمت الحكومة في المرحلة المقبلة على قرارات تزيد العبء المالي على المواطنين.
span style=color: #ff0000;الغد/span