أختام الرقابة المسبقة

أختام الرقابة المسبقة
الرابط المختصر

الجولة الأخيرة من تعميمات هيئة الإعلام تزيد الخشية من إقبالنا نحو مرحلة قوننة الرقابة المسبقة رغم أنها ممنوعة دستورياً، إذ أعقب القرار بمنع الإعلام الأردني نشر أي مادةٍ عسكريةٍ من دون موافقةٍ مسبقةٍ من القوات المسلحة بالتعميم الجديد حول نشر الأخبار والمقالات والتعليقات كافةً المتعلقة بالأمن العام إلا بموافقةٍ مسبقةٍ من الجهات الأمنية.

هل الحبل على الجرار؟ وسيصلنا قريباً بيانٌ رسميٌ يقول إن الأخبار الاقتصادية لا يُسمح بنشرها من دون موافقةٍ مسبقةٍ من وزير المالية أو مدير الأوراق المالية، على سبيل المثال، وتحتاج أخبار الثقافة إلى موافقاتٍ من مدير الإرشاد والتوجيه أو مدير مركز الحسين الثقافي أو ممثل الأديان السماوية في الأردن أو غيرهم من المسؤولين المهتمين بثقافتنا ومعرفتنا الثقافية!

بدوره؛ يحاول البرلمان السيطرة على ما يُنشر حول مجرياته، لكنه يبدو أضعف قدرةً في ذلك، ربما لأنه الحلقة الأضعف في السلطات الثلاث.

وليس هناك في الشؤون القضائية حاجة لرقابةٍ مسبقةٍ، فالدستور والقوانين الموجودة والخوف الأعمى من نشر أي خبرٍ حول القضاء كافٍ حتى اللحظة، ولا تضطر السلطة لإصدار تعميمٍ خاصٍ من هيئة الإعلام لأن قانون انتهاك حرم المحاكم رقم 9 لعام 1959 كفيلٌ بردع أي شخص يفكر من قريبٍ أو بعيد بطرح سؤالٍ أو استفسار يخص المحاكم والقضاة.

يستخدم الإعلاميون مجموعةً من الطرق في محاولة لتجاوز الرقيب، فغياب المعلومة – كما حدث في قصة ذهب عجلون- تخلق البلبلة والإشاعات، وتصبح معالجتها فيما بعد أكثر صعوبةً.

هناك من يحاول إقناع نواب في البرلمان إفشاء سر ما بأن الدستور يوفر حصانةً كاملةً لما يقوله النائب تحت القبة. غير أن أحد النواب كان ينوي، منذ أسبوعٍ، طرَح سؤال على وزير العدل لمعرفة سبب الاستقالة المفاجئة لخمسة قضاة إلا أن النائب تراجعَ في اللحظة الأخيرة بعد أن نصحه زملاؤه عدم النطق بالموضوع تحت القبة لأن ذلك قد يخلق مشكلةً بين السلطتين التشريعية والقضائية!

البعض يتحايل على الرقابة المسبقة من خلال تسريب الأخبار للصحافة الدولية أو العربية حيث النشر في الخارج غير مشروطٍ، ويقوم بالإشارة إلى المواقع والصحف الأجنبية لإخبار الأردنيين بما يحدث في الأردن!

نُشر حول موضوع القضاة –مثلاً- في مواقع إلكترونية في الخارج، وبصورة مؤقتة محلياً، ثم جرى سحبه من الموقع لأردني خوفاً من الإغلاق والحجب فيما بقي الخبر في المواقع العربية المقروءة في الأردن.

تجاوزِ الرقيب يحدث بصورةٍ إبداعيةٍ، أحياناً، خاصةً لدى الكتّاب الساخرين الذين يخترقون الرقابة من خلال استخدام الرمزية هروباً من مقص الرقيب.

نحتاج موقفاً شجاعاً من الإعلامين والمثقفين والمناصرين لحرية التعبير. من يصمت الآن سيتفاجئ لاحقاً حين تصل التراجعات في الحريات إلى حدود ما كان يعتبرها مسلمات، وسيجد نفسه محاصراً في أبسط حقوق التعبير والصحافة.

في الوقت الحالي، الرقابة الذاتية في الأردن قوية (94% حسب  آخر دراسةٍ لمركز حماية وحرية الصحفيين لعام 2014)، ولا تزال الرقابة الذاتية تحقق أعلى النسب، ولا يلزمنا تطبيق الرقابة المسبقة، لكن استمرار وتزايد التعميمات الرسمية من هيئة الإعلام قد ينتهي بتشكيل هيئة للرقابة المسبقة، ونجد أنفسنا أمام الرقباء العسكريين/ الأمنيين، وننتظر ما إذا سيتم منحنا ختْم السماح للنشر أو ختم المنع.

 

·        داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

 

أضف تعليقك